قرآنا عجبا | 18 | “عبس وتولى”

عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ
هذه الآية فريدة، قوية، موحية..
إنها قصة قصيرة تلخص حقيقة عظمى بلمسة عميقة وعبارة متقطعة وبأسلوب ممتع..
كان النبي صلى الله عليه وسلم مشغولا بأمر جماعة من كبراء قريش يدعوهم إلى الإسلام حينما جاءه ابن أم مكتوم؛ الرجل الأعمى الفقير، يطلب منه أن يعلمه مما علمه الله، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وعبس وجهه وأعرض عنه، فنزلت هذه السورة تعاتب الرسول صلى الله عليه وسلم..
أحاول أن أتخيل ردود أفعال الصحابة عندما سمعوها من فم النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي رجفة انتابت أجسادهم وهم يسمعون عتاب الله لنبيه المصطفى..
وفي المقابل أتخيل سيدنا عبد الله بن أم مكتوم الأعمى الذي نزلت فيه السورة عندما سمع هذه الآيات؛ أي شعور انتابه وهو يسمع الله يعاتب نبيه لأنه أعرض عنه.
ربما لم ينتبه النبي عليه السلام للأمر حين حدث، ربما لم يستغرق الأمر أكثر من ثوان.. تعبير على وجهه الشريف، وتغيير في مسار طريقه؛ أمر بسيط جدا لكن الله اعتبره كبيرا..
كان عبد الله بن ام مكتوم يدرك حتما أن الناس تهتم لكبار القوم أكثر مما تهتم لأعمى مثله… لكن هذا الآية أعلت قدره، معدودون هم الذين نزلت فيهم سور بعينها، وكان هو من هؤلاء..
هذه القصة اللطيفة القصيرة تبين لنا أن مكانة الإنسان عند الله لا بحجمه المالي، ولا بمكانته الاجتماعية، ولا بقدرته، ولا بقوته، ولا بسلطته، لكن حجمه عند الله بحجم تقواه إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ.
وهذا ميزان سماوي عظيم..
في نهاية الأمر مات على الكفر كل أولئك الكبراء الذين كانوا سببا في عتاب الله نبيه، وظل الأعمى مخلصا لدينه، واستأمنه النبي على المدينة عشر مرات، ومات شهيدا في القادسية.
رحم الله عبد الله بن أم مكتوم ونفعنا بحبه..
ونذكر دائمًا؛ إنْ أحَبَّكَ الله، أحَبَّكَ كُلّ شَيْء!