الحفاظ على البيئة من شيمنا

أكرم المولى سبحانه وتعالى الإنسان وسخر له الكون كله، وذلل له ما في البر والبحر، وجعله خليفته في أرضه، وعلمه كل ما يصلح به استخلافه.. فدله على طريق عمارة الأرض والتعامل مع كل ما خلقه له، وكتب عز وجل الإحسان على كل معاملاته؛ بينه وبين ربه، فبينه وبين بقية الناس كل حسب درجة قربه، ثم بينه وبين بقية الخلق من موجودات…
وإن وظيفة الاستخلاف في الأرض تقتضي – ضمن ما تقتضيه – اتباع تعاليم ديننا الحنيف في الحفاظ على البيئة، فما لبث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يوصينا بالإحسان إلى خلق الله والمحافظة على كل ما أوجده الله تعالى على وجه هذه البسيطة، بدءا بالماء الذي هو سر الحياة وأصل كل شيء حي، فحذرنا من تبذيره والإسراف في استعماله حتى ولو استعمل في عبادة من العبادات، «فعن عبد الله بن عمر بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: نعم، ولو كنت على نهر جار» (رواه ابن ماجة). توجيه نبوي سديد عده العلماء قاعدة أساسية في الاقتصاد، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يربي المسلمين على الاقتصاد في كل شيء، بما في ذلك ماء الوضوء، فإن كان الاقتصاد مطلوبا في الماء المستعمل في عبادة فما بالك بالأمور الأخرى، وإن كان الاقتصاد مطلوب مع الكثرة، وأنت على نهر جار، فكيف بما دونه…
إن الإنسانية اليوم لفي أمس الحاجة إلى هذا الخلق النبيل، أكثر من أي وقت مضى، مع ما يعرفه الكون من تغير مناخي جراء الانحباس الحراري، والذي جعل العلماء يتوقعون نقصا شديدا في منسوب المياه، وينذرون بكارثة إنسانية قد تؤدي إلى نشوب حروب مستقبلا للحصول على الماء، لا قدر الله. وما ذلك إلا بما كسبت يدا الإنسان النهم الذي أطلق العنان لشهواته حتى أتى نهمه على الأخضر واليابس، وأحدث خللا فظيعا في الكرة الأرضية، التي جعل الله تعالى لها نواميس متى حاد الناس عنها اختلت موازينها.
ولا خلاص للإنسان إلا بالعودة إلى تعاليم خالق الكون، فهو وحده سبحانه يعلم ما به صلاحه، لذا أرسل الرسل وأنزل الكتب، لتسعد الإنسانية في الدنيا وتنجو من عذاب الله في الآخرة.
ومن التعاليم التي أكد عليها الشرع الحنيف –أيضا- والتي تحافظ على البيئة؛ التشجير، فإنه لا يخفى على أحد الفوائد الجمة والتوازن الذي يحدثه في الكون بسبب امتصاصه للغازات والدخان المنبعث، والمساهمة في تدفئة المناخ… وقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشجع المسلمين على غرس الأشجار حتى أنه قال صلى الله عليه وسلم: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» (رواه أحمد والترمذي)، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: «من نصب شجرة فصبر على حفظها والقيام عليها حتى تثمر فإن له في كل شيء يصاب من ثمرها صدقة عند الله عز وجل» (مسند الإمام أحمد).
فما أروع أن يجمع المرء بين خيري الدنيا والآخرة، فيسعى في صلاح دنيا الناس وإسعادهم وبذلك يكافئه المولى في الآخرة بغير حساب.
هكذا بنى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا يؤثرون المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ويسعون لإعمار الأرض كما يرضى المولى ويحب، ولا أدل على ذلك من فعل سيدنا عمر رضي الله عنه الذي كان ينزع الأرض ممن لا يستطيع زرعها، ويقسم الأرض الكبيرة التي لا يستطيع صاحبها إصلاحها وحده مع من له القدرة على ذلك. كما علمهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغرسوا ليأكل غيرهم ويصلحوا لينعم الناس أجمعين. بل إن من أجمل ما أوصى به صلى الله عليه وسلم في الحث على العمل أن يغرسوا حتى ولو علموا قيام الساعة، ومن سيجني ثمار ما سيغرسون حينها؟ ولكنه عمل خير يكتب أجره بفضل الله في صحيفة الغارس، إذ نحن مأمورون بالفعل والامتثال لا بالنتيجة والمآل، قال صلى الله عليه وسلم: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها» (رواه الإمام أحمد). وهذا يدل على حرص سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الغرس والعمل الجاد الذي يعود على الإنسانية بالنفع، وأن لا يقول فلان أنا كبرت في السن والشجرة التي سأغرس لن تؤتي أكلها إلا بعد عشرين سنة، فلن أنتفع بها.. فالمسلم يغرس لينتفع الناس أجمعين وليعمر الأرض بما يرضي رب العالمين.
وما كان أحد أحرص على سلامة البيئة ولا أرأف بمخلوقات الله من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي كان يسمي الحيوانات بأسمائها كما يسمي أحدنا أبناءه، فناقته كانت تدعى القصواء وجواده السكب وهرته معزى وغير ذلك… بل أنه كان صلى الله عليه وسلم ينصف الجمل من صاحبه، ويتعهد للغزالة، ويواسي جذع الشجرة.. وكان صلى الله عليه وسلم يعتبر إماطة الأذى من الطريق جزءا من الايمان، بل إنه صلى الله عليه وسلم بشر رجلا بالجنة لأنه أزال شجرة كانت تقطع على المسلمين طريقهم، وذكر لأصحابه كيف غفر الله لبغي سقت كلبا..
وفي المقابل كان عليه السلام يوصي بعدم قطع الأشجار وتلويث المياه وقتل الحيوانات.. حتى في حالة الحرب.
فلنرجع لشمائله عليه الصلاة والسلام عسانا نهتدي بهديه ونقتدي به ونسعى لإحياء سنته، راجين من المولى الكريم أن يعيد للأرض توازنها ويصلح البلاد والعباد، ويقينا الكوارث والحروب، ويعم الخير والنماء، آمين والحمد لله رب العالمين.