ووجدك يتيما فآوى

يكاد الموت يتشح بالسواد عند الكل، فقط لأنه مأمور بأن ينزع الحياة من خلق الله فيحفر في قلوب الأحياء فراغا صادما. في الحقيقة مؤلم أن تفقد حبيبك الذي سكن سويداء فؤادك، مؤلم أن تفقد أمك أو أباك أو إخوتك أو أقرب أصدقائك، مؤلم أن تجد نفسك في لحظة وحدك في مواجهة الحياة.. ربما لأن حبنا لهؤلاء يفوق حدود الاعتدال فنمرض لفقدانهم رغم وعينا بأن الموت حق، يحزننا أننا سنفقد بحة أصواتهم أو ضحكاتهم أو جميل كلامهم. كم كنا نأنس بهم ونستأمن في وجودهم، كانوا لنا درعا واقيا، هكذا تسرب إلى قلوبنا هذا الإحساس، ثم فجأة نجد أنفسنا وقد تجردنا من هذه الدروع، وانكشفت من فوق رؤوسنا السماء، وانسحب من تحت أرجلنا البساط الذي كنا ننام فوقه بأمان.
وماذا بعد؟
إلى أين الآن؟
من سيؤوي كل هذا الحرمان؟
من سيملأ هذا الفقدان؟
لأول مرة يشعر أحدنا بالبرد الشديد؛ يود لو التحف بثياب من حنان تدفئه وتشعره بهدوء قلبه وسط لجج الشك المباغث في المصير، تلجأ بضعفك وفقرك وانكسارك إلى مولاك، تنكسر فعلا ولا تعلم كيف احتجت أن تسجد لله، لتخبره بأنك في حاجة إليه، تهمس له بأنك صرت وحيدا وأنك تود أن تدخل في معيته. كم تحتاج إلى هدايته.. تحتاج إلى غناه ليكفيك عن الناس.. تحتاج إلى ستر تستر به هذا العراء الذي تشعر به..
نعم؛ ليس لك إلا الله. اعلم رعاك الله أنه سبحانه لا يضيع عبدا خلقه. مهما ضاقت يفرجها الله.. ضاقت لأنها مأمورة بأن تعلمك درسا في اليقين، ضاقت لأنها مأمورة بأن تخبرك بأن الله إذا أحب عبدا ابتلاه، ضاقت لتأتي بعد ذلك بسعة فضل الله..
الله؛ كلمة عذبة تريح قلبك.. كن مع الله تر عجبا.. كن مع الله يعرفك عليه.. كن مع الله يملأ كل الفراغ الذي اجتاح قلبك.. كن مع الله يحبك الله.. كن مع الله يأوي يتمك ويجمعك عليه.