من كتاب “تنوير المؤمنات” | عالَمان

في الغرب وقع الصلح بين عالم المرأة وعالم الرجل بعد طول نضال على مبدإ الحرية. تلك الحرية المنتَزعة منذ الثورة الفرنسية من الكنيسة المتواطئة مع الملوك المستبدين كان شعارها : اشنُقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس.
إديولوجية الحرية وحدت وصالحت وسوَّت اللقاء بين مطالب الديمقراطية وحقوق المرأة كما تحب المرأة. وكما يحب الرجل ويشتهي أيضا.
فهل في ديننا الإسلامي مَغْمَزٌ ومطعَن يحتاج إلى فقهاء مجتهدين مثل بورقيبة وقاسم أمين والطاهر الحداد ليسدوا ثغرته؟ أم أن المغمز والمطعن من فعل المسلمين ومن انحطاطهم : تراكم الظلم على المرأة من جراء ثقل الظلم الذي جثم على صدر المجتمع الإسلامي؟
إن بدل الصلح على غرار الغرب بين عالم الرجل وعالم المرأة على بساط التحرر من الدين، هو الصلح على شريعة العدل والإحسان. شريعة العدل والإحسان دعت جنس الرجال وجنس النساء إلى التوحد على طاعة الله والعبودية له وحده. دعت الجنسين والعالمين إلى حياة انسجام وتعاون وتآزر وتكامل في حمل أعباء الدنيا وفي سلوك فِجاجها والتغلب على بلائها ليخلص الرجال والنساء إلى آخرتهم ليس على ظهورهم وِزر التظالم وغمط الحقوق.
عدل الإسلام وإحسانه يريدان عالما واحدا تسوده الرحمة والمودة والعطاء المتبادل، لا النزاع والعداوة.
عدل الإسلام وإحسانه وشريعته إطار تسامحي بين الرجال والنساء. كيان عَرْضيٌّ يندمج فيه عالم المرأة بعالم الرجل وينسجم.
النساء في شريعة الإسلام شقائق الرجال في الأحكام. شقائق أخوة في الدين، وتعاون على البر والتقوى، وتآزر على قطع مفاوز الحياة الدنيا. لا العداوة والشِّقاق.
فضائل الإحسان والرحمة والمودة تسود المجتمع الإسلامي المثالي، وتصون الحقوق الشرعية المفَصَّلة حواشيه كما يصون السياج الحديقة اليانعة الثمار. إن ظلم الرجال النساء، أو تعسف هذا الرجل في حق تلك المرأة، فإنما يحرث الفريقان الشوك.
ما وقع من خلل في الانسجام المثالي ومن قصور عن تحقيقه مرده إلى فساد الطبائع، وإلى الفقر المفسد للطبائع، وإلى الظلم الجاثم على الصدور.
المثال الغربي مغر خادع لعالم النسوة بشيطنته ونضاليته، ورفاهيته وغناه، وسيادة ثقافته في العالم، وإنجازاته في رفع المرأة من حضيض التبعية للرجل إلى أوج الاستقلال الاقتصادي. فتحسب التابعات المغربات من بنات جلدتنا أن تقليد الغربيات وتبني مطالبهن يضمن لهن الرفاهية إن حصلن على حرية التصرف في الجسم.
كلا. فالغرب إن فقد روحه، وعبد جسم المرأة، وزينها دمية في الواجهة، لم يحصل على السعادة التي كان يظنها في المتعة المطلقة. الغرب شقي بحضارته المادية كما نحن متعبون بخصاصنا المادي وتخلفنا.
عالمان!
اصطلح هناك في عالم المستكبرين الرجال والنساء. فهم أمة واحدة تغزونا وتريد تدمير أسس بنائنا بعد أن دمر الانحطاط القروني والإفساد في الأرض الاستعماري جدران ذلك البناء. يجب على المؤمنات أن يدخلن مع المؤمنين في صد العدوان حَمْلَةً واحدة.
حرب واحدة ومعارك ومواقع وثُغور. في الثقافة ثغر، وفي الاقتصاد، وفي السياسة، وفي التعليم، وفي الإعلام سطوح خرقوها، وفي الأخلاق سدود حطموها. الحرب واحدة بين الكفر والإيمان. والمرأة المسلمة مستهدفة والرجل. المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض.
الإمام عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ج 1، ط 1996/1، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ص 97 – 103.