حبُ اللهِ عندَ آل سيدِنا إبراهيمَ عليه السلام

بسم الله الرحمان الرحيم، “والصلاة والسلامُ بدءا وختاما على طبّ القلوب ودوائها، وعافية الأبدان وشفائها، ونور الأبصار وضيائها، ما حجَّ عبدٌ واعتمرَ، وطاف ودعا وقبّل الحجرَ، وصلى وزمزم وسعى وحلق أو قصرَ، ووقف وازدلف ونحر، وأفاض ورجم وذكر، وودع ثم زار واستغفر، وبين يدي الحبيب وجارَيه أبي بكر وعمرَ تقنّع وتبأّس وقام وجلس وافتقر إلى الله واضطر وفرّ، ورجع من رحلة العمْرِ كيومِ ولدتهُ أمّهُ وقد أكمل الله له دينه وأتم عليه النعمةَ فحمِد وشكر” [1].
في اليومِ الثامنِ من ذي الحجةِ رأى خليلُ الرحمانِ سيدُنا إبراهيمُ رؤيا – ورؤيا الأنبياءِ حقٌ – لا تقبلُ التأخيرَ … تطبقُ على الفورِ. و لكنَّ الأمرَ جللٌ؛ ذبحُ فلذةِ كبدهِ سيدِنا اسماعيلَ؟! إبنهُ الوحيدُ… فتروى الحبيبُ سيدُنا إبراهيمُ، فالامرُ عظيمٌ.
وفي اليومِ التاسعِ رأى نفسَ الرؤيا… فعرف أنّه الحقُ.
وبعدها جاء اليومُ العاشرُ فحدّ سكينه وتجهز ليومِ النحرِ….
حاول اللعينُ صدهُ… ذهب إلى سيدِنا إسماعيلَ فوسوس ووسوس، ولم يجد إلا الثباتَ: أمر الله لايردُ، وطاعةُ الأبِ أمرٌ فرضٌ.
وقال – بعد أنْ رمى اللعينَ بسبعِ حصياتٍ – يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [2].
ما شاءَ اللهُ؛ ثباثٌ كالجبالِ لا تزلزلهُ الزلازلُ، ولا تحركهُ النوازلُ.
وبالطبعِ اللعينُ لا يكلُ… ولايملُ، ذهبَ يطرقُ عاطفةَ الأمِ – سيدتُنا هاجرُ – لاتتركيهِ يقتلهُ، قولي لا، ترككمْ في الماضي في الصحراءِ، لا أكلَ ولا ماءَ ولا مؤنِسَ، وبعدَ أنِ إشتدّ عودُهُ تسلمينهُ لهُ ليقتُلهُ…
فبنفسِ الروحِ التواقةِ لما عندَ اللهِ، وبنفسِ اليقينِ أنّ اللهَ لنْ يضيعها، صدّته بسبعِ حصياتٍ معِ التكبيرِ، لتصمّ أذنيها عن وسوسةِ اللعينِ.
اللهُ أكبرُ على هذا الثباتِ، واليقينِ والتسليمِ.
وتقدمّ الشيطانُ الرجيمُ نحو أبينا إبراهيمَ بكل خبثٍ و مكرٍ، ولكن هيهاتَ هيهاتَ، فلمْ يجدْ إلا الرجمَ… بسبعٍ أخرياتٍ.
وبعدَ هذا الامتحانِ العسيرِ، وفي وقت الضيقِ وعينا الأمِ والأبِ ترقبانِ… تقاطرَ الدمِ الطاهرِ على الأرضِ… يأتي أمر ربِ الأرضِ والسماءِ… يا سكينُ لا تذبحْ.
وفدي الحبيبُ سيدُنا إسماعيل بكبش من السماءِ، وبشر سيدُنا إبراهيمَ بسيدِنا إسحاقَ.
عبرٌ وعظاتٌ جسامٌ … عنوانها الحب الخالصُ للهِ… فاللهُ عز وجلّ يغارُ؛ عندما يرى قلبَ عبدهِ مزدحمًا بحب الغيرِ. عندما يمتلئُ القلبُ بحبهِ سبحانهُ… يصبحُ تعالى سمعهُ، وبصرهُ، ويده التي يبْطِشُ بها…
إنه مقامُ الولايةِ مقامُ القربِ، مقام الحبِ.
أسرةُ سيدِنا إبراهيمَ بكل أفرادها… كان حبها للهِ محررا من كل شهوةٍ؛ من شهوة حب الأبناء، وشهوة حب المالِ والديارِ… وغيرها من الشهوات…
ومن امتثلَ لأمرِ اللهِ بكليتهِ، وتخلى عن شهواتهِ للهِ، رزقه اللهُ من حيثُ لا يحتسبْ.
اللهم ارزقنا حبكَ وحبَ من يقربنا حبهُ إليكَ. والحمد لله رب العالمين.
[1] الرحلة المنيبة إلى مكة وطيبة، منير الركراكي، ط: الأولى 1437ه -2016 م. ص: 7.
[2] سورة الصافات، الآية 102.