ذ. محمد بارشي | “العلاقة بين الزوجين.. أسس ومقومات” (1) | أساس البناء الأسري عند المومن والمومنة
نشرت قناة الشاهد الإلكترونية برنامجا يعنى بالعلاقات الأسرية، أعده وقدمه الأستاذ محمد بارشي، عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان. ونظرا لما يقدمه من توجيهات هامة في الباب، سننشر حلقاته تباعا. فيما يلي الحلقة الأولى:
سنحاول أن نحيط في هذه الحلقات قدر المستطاع ببعض المفاهيم والمقومات، سائلين الله عز وجل أن يجعل العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن يصلح بناءنا الأسري، وأن يقوي رابطتنا وعلاقتنا فيه، وأن يمن على سائر الأزواج والبيوت والأسر بالسعادة والطمأنينة والسكن والسكينة، إنه على ما يشاء قدير.
تعريف الأسرة
الأسرة: أهل بيت الإنسان رجلا كان أو امرأة، وهي عشيرته، وأصلها الذرع الحصينة.
وأطلقت على أهل بيت الرجل لأنه يتقوى بهم، فهي المحضن الأول للتربية، وهي النبع الخالص للعاطفة، وهي اللبنة الأساس في الأمة.
في علم الاجتماع تأخذ تعريف: الخلية الأساسية في المجتمع، وهي أهم جماعته الأولية، تتكون من أفراد الرابط بينهم والجامع بينهم صلة الرحم والقرابة.
والأسرة النواة تتأسس بزوجين؛ رجل وامرأة، جمع الله بينهما بميثاق غليظ، وتتزايد هذه اللبنة الأساس بما ينبت الله عز وجل منهما من الذرية.
عند الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “الأسرة القوية عماد الأمة القوية، والأم المربية المصلحة عماد الأسرة” (1).
1- أساس البناء
الارتباط بين مومن ومومنة حث فيه الشرع الحكيم على الظفر بذات الدين، وأن يكون الرجل ذا دين وخلق، القاسم المشترك إذن بينهما: الدين، ومن ثم فهما يعلمان أن الله عز وجل خلق الذكر والأنثى لأمر عظيم جلل؛ هو عبادته، لقوله سبحانه وتعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات، 56)، أنزلهما الله عز وجل إلى الأرض واستخلفهما فيها لعمارتها، الملائكة الأطهار استغربت، قالت: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُّفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ اُ۬لدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ (البقرة، 29)، يفهم من منطوق الملائكة الكرام أن الذي يعمر هذه الأرض ويستخلف فيها ينبغي أن يكون مسبحا لله، عابدا، ساجدا له سبحانه. هما إذن يعمران هذه الأرض فينبغي – من منطوق الملائكة – أن تتحقق فيهما هذه المواصفات.
وبين الله سبحانه وتعالى حينما أنزلهما أنهما سيكونان فريقين، يقول الله عز وجل: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (طه، 123)، المخاطَب هنا هما الأبوان آدم وحواء، فكل الذرية إذن مخاطبة بهذه الآية، فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (طه، 123 – 124). الأصل إذن أن يجتمعا ليتعاونا فيحفظهما الله عز وجل من الضلال والشقاوة لينعم سبحانه وتعالى عليهما بالهداية، ومن اختار طريق الإعراض عن ذكر الله وأخذته الحياة المادية، فنتيجة ذلك الضنك.
في سورة التوبة آية تفصل وجه التعاون بين الرجل والمرأة، هو خطاب عام لكنه يشملهما كذلك، يقول الله عز وجل: وَالْمُومِنُونَ وَالْمُومِنَٰتُ بَعْضُهُمُۥٓ أَوْلِيَآءُ بَعْضٖۖ يَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ اِ۬لْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ اَ۬لصَّلَوٰةَ وَيُوتُونَ اَ۬لزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ اَ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۖ أُوْلَٰٓئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اُ۬للَّهُۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞۖ (التوبة، 72).
تتكلم هذه الآية عن الولاية العامة بين المؤمنين والمؤمنات، وما يطلب عموما إلى المؤمنين والمؤمنات؛ أن يتعاونوا فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويوتون الزكاة.. وإجمالا يطيعون الله ورسوله، فيكون العطاء والكرم من الله تعالى الرحمة.
إذا كان هذا الخطاب عاما، ألا يعني المؤمنين الزوجين كذلك؟ بلى يعنيهما، فهو مؤمن وهي مؤمنة، إذن فمطلوب إلى هذا الرجل وهذه المرأة المؤمنان أن تتحقق بينهما الولاية العامة، والخاصة بطبيعة العلاقة بينهما، وأن يأمران بالمعروف وينهيان عن المنكر ويقيمان الصلاة ويؤتيان الزكاة.. وإجمالا مأموران أن يطيعا الله ورسوله. هذه الآية فصلت وبينت، وبيت الزوجية معني بالدرجة الأولى بهذه الأوامر، جعلنا الله من المتصفين بها.
نتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات..”، فإذا كان الزواج عملا فهذا العمل مقرون بنيته، وأن أعظم النية وأشرفها ما كان هجرة لله ورسوله، ومن فاتته هذه النية وهذا المقصود في بداية زواجه، في ديننا والحمد لله تجديد للنية مع تحري الصدق، إذ الأمر ليس كلاما، فنحن نتعامل مع الله عز وجل، وهو سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى.
ثم هي نعم؛ أن يكون الزواج مبنيا على الله عز وجل، وأن يكون هجرة لله ولرسوله فهي نعمة عظيمة أنعم الله بها على الزوجين المؤمنين، فهي إذن نعم نسأل الله تعالى أن يعطينا إياها سؤال المضطر، ليس في الزواج فقط بل في كل أعمالنا، نسأل الله تعالى أن يخلص نياتنا في كل الأعمال، فيباركها ويقبلها سبحانه وتعالى منا.
الزواج القائم على المصلحة الدنيوية البحتة غالبا ما يكون مصيره الفشل، وإن قدر له الاستمرار فسيكون في جو من الملل والكراهية والتكلف نعوذ بالله، لا ننسى أيها الكرام أن الإعراض عن ذكر الله يورث معيشة الضنك، حفظنا الله منها جميعا. آمين والحمد لله رب العالمين.