زواج حب أم زواج عقل؟

في طريقها نحو تحقيق ذاتها وبلوغ أهدافها ها هي ذي يأتيها أول خاطب يطلب يدها من أبيها، فتجد نفسها أمام سؤال لطالما أرقها التفكير حوله ودائما ما تهربت من البحث عن جواب له؛ وفق أي أساس تختار؟ هل تسمع صوت قلبها مغيبة عقلها عن المشهد؟ أم تجعل السلطة الكاملة للعقل في القبول أو الرفض؟
فالعقل والقلب إما متفقان متوافقان أحيانا، وإما متعاكسان متضادان أحايين أخرى. لذلك تلجأ في كثير من أمورها لاستشارة الآخرين، ولكن في الزواج يظل القرار النهائي للمعنية بالأمر إذ الأمر حساس وحاسم. فأي زواج تريد؟ زواج حب أم زواج عقل؟
اتجهت مباشرة للذي لا يخيب من يقصده، ولا يتيه من يبحث فيه والذي يغنيها عن كتب الدنيا؛ كتاب الله. يقول الحق جل جلاله: وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً (الروم، 21). وفي آية أخرى يقول عز من قائل: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا (الأعراف، 189). فسبحان الخالق المنان، سبحانه الواحد الأحد على بديع خلقه وعظيم شأنه. كيانان مختلفان جسديا، ونفسيا، وعقليا، ووظيفيا، لابد لهما من التكامل روحا وجسدا بموجب شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليحققا الغاية التي وجدا من أجلها: الاستخلاف في الأرض، قال تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (البقرة، 30).
فالزواج إذا ليس مجرد عقد بين ذكر وأنثى لإشباع الغريزة الكامنة فيهما، وليس مجرد وثيقة تضفي الصبغة القانونية على ذلك، ولكنه عهد وتعاهد شاهد عليه الله جل جلاله قبل الجميع، والمبتغى وراءه وجهه سبحانه وتعالى ولذلك سماه “الميثاق الغليظ”. يتعاهد الطرفان على صون رباطهما المقدس، ويستشعران ثقل هذه الأمانة على عاتقيهما ليكون التساكن والسكينة بينهما عبادة لله عز وجل، حتى اللقمة يضعها الرجل في فم زوجه يراد بها وجهه سبحانه. ولتحصل هذه المعاني الجميلة لابد إذا من اطمئنان قلبي وعقلي، وتوافق وانسجام بينهما.
تواصل شابتنا بحثها ليستوقفها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه رجل يخبره: في حجري يتيمة قد خطبها رجل موسر ورجل معدم. فنحن نحب الموسر وهي تحب المعدم. فيجيب الحبيب اللبيب صلى الله عليه وسلم: “لم ير للمتحابين مثل النكاح” (ابن ماجة، 1847). ولا يقصد بالمتحابين هنا المتجالسين في المقاهي، المتزاورين في الحدائق، والمتواصلين في مواقع التواصل صباحا ومساء، والمتراسلين عبارات التغزل، في علم الأهل أو عدمه.. إنما يقصد أن الرجل إذا نظر إلى المرأة وأحبها لأسباب متعددة بعيدة عن مس حدود الله تعالى، فعلاج ذلك الزواج بها، به قال بعض أهل العلم، وقال السندي – في هامش سنن ابن ماجة -: إنه “إذا كان بين اثنين محبة فتلك المحبة لا يزيدها شيء من أنواع التعلقات بالتقربات ولا يديمها مثل تعلق النكاح، فلو كان بينهما نكاح مع تلك المحبة لكانت المحبة كل يوم بالازدياد والقوة”، أي أن الزواج إن سبقه وقوع في المخالفات الشرعية كان له أثره في تقليل البركة والتوفيق من الله تعالى.
ولأهمية أمر المحبة في بناء العلاقات، ندب الشارع إلى رؤية الطرف الآخر، فقد يكون الخاطب في نظر أهل الفتاة مناسبا لها، صالحا وذا خلق ودين، موافقا على شروطها لكنه لا يعجبها حين يتم اللقاء بينهما، ولا يتم الائتلاف بينهما. فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه خطب امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما” (الترمذي، 1087)، أي أن يكون بينكما محبة. تلك الطمأنينة والسكون اللذان يسريان في الفؤاد بمجرد النظرة كفيلان أن يحددا مصير الاثنين.
فزواج حب أم زواج عقل إذا؟ الجواب هو الاثنان. فحتى لو كان الطرف الآخر مثاليا في عيون الأبوين وذوي الأمانة في الاستشارة، إلا أن الإعجاب والمحبة هما بذرة المودة والرحمة المرجو عيشها في الزواج. كل هذا يسبقه الحرص التام والتحري الدقيق في الاختيار، ليكون البناء لعلاقة زوجية متينة أبدية بناء سليما.
رسالة أخيرة
عزيزتي الشابة، استخيري الله عز وجل فهو الوحيد سبحانه الذي أمر زواجك بين كافه ونونه، فلا تتعجلي ولا تستعجلي، وهو الوحيد سبحانه الذي يعلم مكمن الخير لك فاستقدريه بقدرته ليريك الصواب ويرزقك الرضا والاطمئنان ساعة الحيرة، دون أن تنسي استشارة الوالدين الكريمين في كل ما يخالج صدرك، والمؤمنين والمؤمنات وطلب النصيحة منهم. أصلح الله لك رفيقك وطريقك.