دور المرأة في استقرار الأسرة

تقديم
لكل فرد في هذه الأمة وظيفة خصه الله بها، والمرأة جزء من هذه الأمة لها دور هام في المجتمع والأسرة، بل الركيزة الأساس في نجاح الأسرة واستقرارها، إذ تقوم بأدوار هامة ومتنوعة كونها أما وزوجا وربة بيت، والحرص على ذلك من كمال وظيفتها.
قال الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (سورة البقرة، من الآية 228).
عليها – كما على الرجل – مهمة جليلة تتمثل في عبادة الله سبحانه، الذي أناط بها مهمة الحافظية وبالرجل مهمة القوامة.
وضع المرأة خلال حقبتي الملك العضوض والجبري
في الفقه المنحبس:
“الفقه المنحبس لبوس جديد لبسه الفقه إبان انحطاط الأمة، وقد تميز في تعاطيه مع قضايا المرأة بتوسعه في استعمال سد الذرائع” (1).
حيث “هبطت رعاية الرجال للنساء مع الهبوط العام، فأصبحت الزوجة والأم والأخت عضوا منكمشا محبوسا لا يكاد يظهر له أثر في مجمل النظام الاجتماعي والاقتصادي. وساد فقه السجن الذي يريد للمرأة أن لا تخرج من البيت إلا مرتين: مرة من بيت أبيها إلى بيت زوجها، ومرة من بيت زوجها إلى القبر” (2).
فكان دورها، حسب ما سطره الفقه المنحبس، يقتصر على شغل البيت وإرضاء الزوج والانحباس وسط جدران بيت الزوجية وفي هموم المعاش اليومي.
في المفهوم الغربي:
غزا الفكر الغربي بيوت المسلمين، خصوصا خلال فترة الاستعمار وبعدها، والذي يقوم على فكرة القدرة على إعطاء أبناء للمجتمع في مستوى تحمل المسؤولية عند سن الثامنة عشر، مما نتج عنه التخلي عن دور الأبوة والأمومة بمجرد وصولهم للسن المحددة.
وطغى بذلك تقديم الجانب المادي على الجانب الروحي، فأصبحت الأسرة الناجحة هي التي تعتمد على المدخول المشترك.
وحمل الفكر الغازي معه أيضا أمر تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة وحرية كليهما، فتداخلت الأدوار بين الرجل والمرأة، ونتجت عن ذلك مشاكل عائلية سببت في إنتاج أسر تتكون من عائل واحد عوض الأم والأب.
أما في واقعنا المعاصر، فيقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى: “المرأة المسلمة كانت مظلومة ولا تزال، هي زميلة الرجل المسلم في ما تعانيه أمس وهي سجينة أمية، واليوم وهي بين نار الدعوة التغريبية ورمضاء المخلفات الانحطاطية. ما من شكوى يبثها حال المرأة المسلمة ويلغط بها دعاة تحريرها أمس واليوم إلا ولها نصيب كبير من الصحة” (3).
في الفكر المنهاجي التجديدي للإمام عبد السلام ياسين:
أناط الإمام عبد السلام ياسين بالمرأة المسلمة، استنباطا من العهد النبوي، مهمة تغيير حالها والمساهمة في تغيير حال أمتها، بدءا بدورها الريادي داخل الأسرة؛ مركز الاستقرار والبرج الاستراتيجي الذي منه تبدأ وظيفتها.
يقول: “إن كمال المرأة الوظيفي وكمال الرجل أبوين مسؤولين، هما غاية ما يراد منهما تحقيقه، حفظا لفطرة الله ونشرا لرسالة الله وخدمة لأمة رسول الله، ما يرفع المرأة إلى القداسة إلا أمومتها وما يرفع الرجل إلا أبوته، يذكر حقهما بعد حق الله مباشرة في قوله تعالى: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً” (سورة الإسراء، من الآية 23) (4).
وظيفة المرأة في استقرار الأسرة
قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ (سورة الممتحنة، من الآية 34).
الحفظ استمرار واستقرار هما قطب السكون في الحياة الزوجية وحياة المجتمع.
فالمرأة الصالحة القانتة الحافظة مدرسة دينية وتعليمية واقتصادية ومصدر لاستمرار النوع البشري.
فهي كزوج؛ حافظة للنفس بما تعتني بصحة الأسرة، وبما تحافظ على عرضها وعفتها وشرفها وكرامة زوجها. وللمال بما تدير الشؤون الاقتصادية للبيت، وبما تنفق بالعدل، وتساعد الزوج على الإنفاق بالعدل، آخذة بنظر الاعتبار طاقته في الإنفاق.
وكأم؛ حافظة لاستمرار الجنس البشري. يقول الإمام رحمه الله تعالى: “يحفظن استمرار الجنس البشري بما هن محضن للأجنة، وحضن للتربية، ومطعمات، وكاسيات ومدبرات لضرورات معاش الأسرة. هن المحضن لأجسام الأنام، والراعيات لحياتهم، والوصلة الفطرية بين أطراف البشرية، والواسطة بين جيل وجيل” (5).
وحافظة للدين بما تقيمه في نفسها، وبما تعلمه لأبنائها. يقول الإمام: “بقيت ضروريتان مما عند إمام فقه المقاصد: حفظ الدين، وحفظ العقل. هل ينحفظ شيء من أمانات النساء إن لم يكن إيمانهن باعثا، وعقلهن مدبرا؟” (6).
ذة. سميرة عبد الله سليمان الرفاعي، كتاب أعمال المؤتمر الدولي الثاني في نظرية المنهاج النبوي، ص 175.
ومن وظيفتها تربية ورعاية الأبناء، ولا تقتصر الرعاية على الحاجيات المادية فحسب بل تتجاوزها إلى الإشباع العاطفي وتقديم الحب والحنان والتربية السليمة لتأهيل جيل المستقبل. يقول الإمام: “يرضع من ثدي الأمهات الصالحات القانتات الحافظات وتعهدهن لجسوم الأطفال ونباتها وغذائها وصحتها كتعهدهن للعقل الناشئ يأمرن بالحسن ويزجرن القبيح ويجبن عن الأسئلة ويُلقن اللغة” (7).
ويقول أيضا: “وما من أمومَةٍ تستحق اسمها وتنال من الله عز وجل نوالها إن كان العمل فاسدا، إن أنجبت غُثاءً كغثاء السيل، إن أساءت تنشئة نسلها، وأهملته، وأسلَمَتْهُ إلى غيرها مِن وَسَط منحل، وإعلام مفسد، وشارع سائب، ورفقة مُضلة” (8).
ما يعينها في وظيفتها
– الصبر والرفق والحِلم والرحمة، قال عز من قائل: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ” (سورة آل عمران، من الآية 159).
– التعلم والتكوين: فالعلم واجب عليها لتربية النشء وتهيئة الظروف الملائمة لمسايرتهم دراسيا وفكريا.
– التفقه في الدين والعمل به، فالمولود يولد على فطرة أبويه “ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” (9).
– المبادرة إلى حل الخلافات الزوجية.
– حسن الاستماع والإصغاء.
– الدعاء
– التغافل: يقول الإمام الشافعي: “الكيس العاقل هو الفطن المتغافل”.
– تبادل الهدايا: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “تهادوا تحابوا” (10).
التخلي عن البرج وآثار ذلك على الأسرة
ينتج عن استقالة المرأة من وظيفتها التي أناطها بها الله سبحانه وتعالى، وعاشتها أمهات المؤمنين والصحابيات في أبهى تجلياتها، إخلال بالتوازن العام للأسرة، يظهر في ما يلي:
– الطلاق العاطفي
-التفكك الأسري
– جيل الغثاء
– الانغماس في المشاكل المعيشية.
ونختم بقولة جامعة للإمام ياسين رحمه الله تعالى: “زواج المرأة تمام رشدها، وبيت الزوجية حصنها وبرجها. إن خرجت من حرمة آدابه، أو هجمت على الزواج وهي جاهلة بما لها وعليها من جانبي الشرع والطبع، من جانبي الخُلق والتخلق، وإن هي لم تصبر وتصابر وتحمل نصيبها من مجهود التآلف والملاءمة، ولا قامت بواجبها في الحافظية على الشمل أن ينتثر، غامرت بحياتها. وإن هي أساءت اختيار الزوج، أو تنَمَّس لها قبل الزواج ثم أذاقها بعده من الجور ما لا يحتمل، تحول بيتها إلى سجن وعذاب، لا استقرار فيه ولا استمرار” (11).
(1) قضية المرأة المسلمة والتغيير الشامل.. رؤية تجديدية منهاجية عند الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، مؤتمر التغيير في نظرية المنهاج النبوي عند الإمام عبد السلام ياسين، مفهومه وإشكالاته وقضاياه، إسطنبول 16 ـ 17 يناير 2016.
(2) عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ج 1، ص 57.
(3) نفسه، صص 53-54.
(4) نفسه، ج 2، ص 220.
(5) نفسه، ص 90.
(6) نفسه، 84.
(7) نفسه.
(8) نفسه، ص 221.
(9) صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي.
(10) رواه البخاري في الأدب المفرد، 594.
(11) عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ج 2، ص 148.