نحن الوطن

أحببتهُ جداً.. لكنَّه لم يُحبَّني، كان بخيلاً وأنانياً؛ يأخذ مني الكثير ولا يعطيني إلا القليل، سامني سوءَ العذاب، جرَّدني من إنسانيتي وكرامتي ولم يُعطِني أبسط حقوقي، رغم غِناهُ كان يعطيني الفُتات.. رغم ثروته الضخمة بقيتُ جائعةً وظل أولادي حُفاةً عُراة..! يدَّعي الفقرَ والعجزَ وملاييرُه يُبذرها ويصرفها على التفاهات!
إحصائيات وأرقام مخيفة لواقع مُزْرٍ، تُنذر بمستقبل أسود؛ ارتفاع مَهول في نِسَب الفقر والبطالة والآفات الاجتماعية، انهيار التعليم والصحة، وانحدارٌ في معدل التنمية والعيش الكريم..
كفى عبثاً! فأبنائي ضاق بهم الحال، ولم يعد لهم منفذ غير عبور البحر أو الانتحار، لقد أصبحوا يرون في الضفة الأخرى جنتهم التي ستنقذهم من براثين الفقر والقهر.
طفح الكيل! وناقوس الخطر دق، وآن للأصوات أن تصدح مطالِبة بتحسين الواقع ووقف نزيف الوطن!
ولا بأس فيما يصيبنا فنحن نحب وطننا، الذي يهيننا ويُذِلُّنا، نحن مقيدون مستعبَدون وليست لنا الحرية إلا في اختيار ما شئنا من الطرق كي نموت بها؛ فإن شئنا حرقاً وإن شئنا طحناً وإن شئنا غرقاً وإن شئنا جوعاً أو قهراً، المهم أن يحيا الوطن!
لكن بالله عليكَ أيها الوطن! هل تعرف من هو العماري؟ هلَّا أخبرتني؟ أتتذكر “مي فتيحة” التي أحرقت نفسها بعدما قاموا بإيقاف مصدر قوت يومها البسيط؟ هل تتذكر الطريقة الهمجية التي قُتِل بها “محسن فكري”؟ أخبرني – أيها الوطن – هل سمعت بشهيدات الصويرة ومعبر سبتة؟ هل تتذكر شهداء الرغيف الأسود؟! هل تتذكر آخِر شهيد ابتلعه البحر وهو في طريقه للبحث عن لقمة عيش حلال يشد بها رمق أطفاله الجياع؟ أحمد بوهبوه الذي أُغلِق مورد عيشه الوحيد، ليبلُغ به القهر أن داس على ما تبقى من كرامته وقرر الهجرة سباحة إلى سبتة المحتلة، فمات هوَ الآخَر غرقاً في عرض البحر، تاركاً وراءه ثلاثة يتامى؟!
دعني أخبرك أن كل هؤلاء وآخرون ماتوا كي تحيا أنت، غير أن زمرة المنتفعين من خيراتك بغير وجه حق يأبون أن يسمحوا لك بحقك الطبيعي في الحياة!
فـ”كيف يموتُ ميتٌ، وكيف يحيا من اندَفن”!!
اندفن بالألم والجور والاستغلال، ودَفَنَ كلَّ صوت نادى بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية؛ فمن نجوا من القبور لم يفلتوا من الحُكرة؛ فهذا رُسِّبَ، وأولئكَ قُمِعوا وعُنّفوا في مظاهرة مطالبة بإنقاذ الوطن، وذاكَ اعتُقل بمبررات واهية..
إن لم يكن بنا كريماً آمناً..
ولم يكن محترماً..
ولم يكن حراً..
فسنظل رابضين على جبهة الحق، حتى نحيى ويحيى الوطن، فسنة الله ماضية لا تحابي أحدا، ودورة التاريخ تنبئ أن العاقبة لأصحاب الحق، وأن الظلم مهما تمدد فهو إلى زوال.