من المغرب الأقصى إلى المسجد الأقصى.. نساء ضد التطبيع

فيما يلي كلمة الأستاذة مليكة مجتهد، عضو المكتب المركزي للهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، ألقتها في لقاء عن بعد ضد التطبيع، نظمه القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان يوم الأربعاء 10 فبراير 2021، شاركت فيه الحاجة عائشة المصلوحي، مقدسية من أصل مغربي قاطنة بحارة المغاربة بالقدس، والأستاذة السعدية الولوس، عضو حركة مقاطعة إسرائيل (BDS).
بكل فخر واعتزاز أحيي المرأة الفلسطينية أيقونة هذا الزمان، التي أحيت النموذج النبوي للمرأة القوية في عزمها وشجاعتها وثباتها في مواجهة أعداء الإنسانية؛ الصهاينة الغاصبين. أثبتت جدارتها في التصدي لمخططاتهم في تهويد القدس والمسجد الأقصى وتدنيس مقدساتنا، متحدية التعذيب والتنكيل والاعتقال والأسر ونزع الحجاب، سلاحها الإيمان واليقين في نصر الله تعالى.
صفة النساء الفلسطينيات أنهن راهبات عابدات قانتات بالليل فارسات مدافعات منافحات بالنهار، يعشقن الشهادة، شعارهن: الموت ولا المذلة. يكملن سير النساء الخالدات العطرة، على غرار أمهات المؤمنين والصحابيات الجليلات اللواتي تربين في حضن النبوة فأعطين المثال في طلب الكمال الإيماني والخلقي والعلمي والجهادي.
إن المرأة الفلسطينية عموما والمقدسية على وجه الخصوص، هي مصدر إلهام وقدوة للمرأة المسلمة اليوم في التدافع ومواجهة الظلم والفساد والاستبداد بثبات وقوة، وما خروج المرأة ومشاركتها في الميادين في “الربيع العربي” عنا ببعيد.
وإن مواجهة الكيان الصهيوني اليوم ليست حكرا على المرأة الفلسطينية، لأن هذا العدو له أطماع ليست فقط على أرض فلسطين والقدس بل له خطة في تأسيس مملكة صهيون الكبرى. فبعدما حقق أطماعه ونشر الفساد والفرقة بالشرق الأوسط يستهدف الآن افريقيا والمغرب الكبير، مبتدئا بتوريط المغرب كخطة أولى في التطبيع العلني، ليكسر ذلك الحصن المنيع، ويقسم ظهر الفلسطينيين، ويلطخ تاريخ المغاربة العريق الذين عرفوا بحبهم وتفانيهم وارتباطهم الوثيق بفلسطين والمسجد الأقصى، وأيضا لينال من الوحدة المغاربية بنشر الفرقة والعرقية.. وليشجع كذلك الدول التي لم تتجرأ بعد على إعلان التطبيع.
أمام هذه الأطماع الاستعمارية التي لا حد لها نتساءل: ما دور المغاربة عموما والمرأة المغربية خصوصا في مواجهة ومناهضة التطبيع؟ وما هي الواجهات التي يجب أن تتصدى من خلالها لأطماع الكيان الصهيوني ولمخططاته؟
الواجهة التربوية
ونقصد بها المفهوم الشامل للتربية، التي تُنبت في القلب رحمة وفي العقل حكمة وفي الجسد صلابة وقوة.
1- التربية الإيمانية الربانية
تربي المرأة النشأ والنساء من بنات جنسها تربية إيمانية تكون للمجتمع حصنا منيعا من المخططات الصهيونية. تربيهم على حب الله ورسوله وحب المؤمنين وحب المقدسات؛ وفي مقدمتها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نساء المغرب الأقصى، شأنهن شأن المقدسيات، يقفن على ثغر التربية في بيوتهن وفي المحاضن الأرقمية، قياما لليل وإحياء للرباطات التربوية ومجالس الإيمان..
2- التربية العلمية والمعرفية
قال الإمام أحمد بن حنبل: “العلم إمام العمل”. إن على المرأة تعليم النشأ أن التفريط في القدس والمسجد الأقصى تفريط في الدين، وأن واجب نصرة المظلومين والمستضعفين من الدين بل هو الدين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم”. فكيف إذا كان هؤلاء المستضعفون هم من ينوبون عنا في الدفاع عن مقدساتنا ويقاتلون عدونا الذي يتربص بنا الدوائر. التعليم والمعرفة سلاح وحصانة للأجيال والمجتمع من مخططات العدو التي تستهدف النيل من عقيدتنا وهويتنا وتهجين ثقافتنا وتزييف تاريخنا.
واجهة التدافع
1. التدافع الاجتماعي
تعزيز الحاجز النفسي والموقف الرافض للصهاينة والغضب عليهم، بأن تكون المرأة حاضرة بين بنات جنسها في التصدي للتطبيع، بتعميق هذه المعاني، في الأندية الثقافية وفي المساجد وفي الصالونات الفكرية وفي العمل الجمعوي.. متيقظة معبئة محصنة لهن. وإن هذا الحاجز النفسي يظهر في الشعارات التي تصدح بها حناجر المغربيات في الوقفات والمسيرات، يعبرن عن الغضب الدفين من المجرم المحتل، كما تظهر في حماسة المرأة المغربية في نصرة أختها وأخيها بأرض الرباط المباركة.
2. التدافع السياسي
قدرة المرأة في التأثير على القرار السياسي من خلال العمل على التنظيم والتكتل والتشبيك لتوحيد الصفوف وترشيد الجهود، وكذلك بالإبداع والتنويع في الأشكال النضالية والحضور والتعبئة للمسيرات والوقفات وكل التظاهرات السلمية..
وقد كانت النساء المغربيات أول الحاضرات بقوة في أول تظاهرة احتجاجية ضد التطبيع، وصمدن في وجه القمع.. وهن ينخرطن، من خلال مؤسساتهن القطاعية، في مواجهة التطبيع بكل الوسائل المشروعة والسلمية.
3. التدافع الإعلامي
ساحة الإعلام ساحة استراتيجية للتدافع مع المشروع الصهيوني الذي يحرص أن يهجم علينا من بواباته الإعلامية، وإذا كان الكيان الصهيوني يتربع اليوم بفضل إمكانياته المادية الخيالية على إمبراطوريات الإعلام، فإن المرابطات المقدسيات رغم ضعف الإمكانيات استطعن أن يوصلن صوتهن وينقلن الحدث مباشرة وأن يفضحن جرائم الاحتلال، وهن بذلك يعطين نموذجا من المسجد الأقصى لأخواتهن بالمغرب الأقصى ليصبحن رسلا للقضية في ميدان الإعلام، وذلك بتغطية الخبر والتفاعل معه ونشره، والمشاركة في الحملات الإعلامية والهشتاكات، والمساهمة في الإنتاج الإعلامي السمعي والسمعي البصري والمقروء، وكذلك بالحضور القوي في مواقع التواصل الاجتماعي إما بالإنتاج أو الإشراك أو التعقيب أو تسجيل الإعجاب وذلك أضعف الإيمان، أو بالاشتراك في الصفحات والقنوات المناصرة للقضية الفلسطينية والمناهضة للتطبيع.
4. التدافع الثقافي والفني والفكري
وهي جبهة لا تقل أهميتها عن سابقاتها، يراهن عليها العدو نظرا لما لها من تأثير على النفس، وعلينا أن لا نهملها، فنسعى لفضح الصهاينة من خلال التصدي لفكرهم وثقافتهم وفنهم بنفس الأداة: الفكر بالفكر والفن بالفن والثقافة بالثقافة… من خلال أعمال نسائية تواجه الإجرام الصهيوني بالقصة والرواية والشعر والمسرح والرسم والكاريكاتور والأنشودة..
واجهة المقاطعة
سلاح المقاطعة مؤثر في التدافع ضد التطبيع، وينبغي أن تكون مقاطعتنا شاملة لكل المجالات:
– المقاطعة الاجتماعية: الحفاظ على الحاجز النفسي إزاء الصهاينة؛ لا نصافحهم ولا نآكلهم ولا نجالسهم، فالأصل تجنبهم لأنهم مجرمون عنصريون. وللمرأة دور كبير في ذلك، فهي المربية الحافظة لفطرة الأجيال الموقظة لذلك الشعور النفسي الرافض للقتلة، وهي كذلك المعلمة والمنورة للعقول، لتبقى على بينة وبصيرة من الجرائم الصهيونية.
– المقاطعة الاقتصادية: تقضي بمقاطعة شراء البضائع الصهيونية أو البضائع المدعمة للصهيونية. فلا بيع ولا شراء ولا تعامل تجاري معهم، فمن يربحهم درهما فهو يساهم معهم في شراء رصاصة تقتل أخا لنا في فلسطين، والمرأة لها تأثير، فهي المدبرة لميزانية الأسرة.
– المقاطعة السياسية: ينبغي الضغط بكل الوسائل المشروعة والسلمية لإفشال تواصل الصهاينة مع المؤسسات الرسمية، فضلا عن الهيئات الحزبية أو هيئات المجتمع المدني الجمعوية أو النقابية..
– المقاطعة الثقافية والفنية والأكاديمية والإعلامية: إن الكيان الصهيوني يحرص على اختراق المجتمعات من خلال النخبة والنجوم الثقافية والفنية ليكرس التطبيع ويكسر الحاجز النفسي عند المجتمع، فلا بد من العمل على هذه الواجهة، خاصة المرأة إذ يقع عليها أن تكون حاضرة في هذه المجالات، كي تكون قادرة على إفشال هذا الاختراق من خلال فضحه والتصدي له.
وتبقى المرأة المغربية عموما عصية على إغراء المطبعين إلا شرذمة لا يمثلن السواد الأعظم من الشعب.
وفي الختام، لا بد من التأكيد على ضوابط ينبغي أن تحكم عملنا في مواجهة التطبيع:
1- التخطيط عوض الارتجالية.
2- صناعة الفعل بدل ردود الأفعال.
3- الاستمرارية بدل الموسمية.
4- العمل التشاركي عوض الاستفراد أو الإقصاء.
5- نشر اليقين والاستبشار بموعود الله في النصرة بدل خطاب التيئيس والهزيمة،قال تعالى: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ (الإسراء، 7).