ليس من يكتب بالحبر كمن يكتب بدم القلب

“ليس من يكتب بالحبر كمن يكتب بدم القلب”، مقولة للأديب جبران خليل جبران قرأتها قبل سنوات، أحدثت في كياني ضجة وأسئلة لم أجد لها جوابا..
اكتشفت في تلك الفترة شغفي بالكتابة، وبدأت أكتب في مذكرتي حول مواضيع مختلفة، لكن على رغم اختلافها، كانت تتشابه في كثرة الأخطاء النحوية والإملائية، فضلا عن العوز اللغوي الكبير الذي كان يغمرها. كنت أخفيها لحسن الحظ ولم أطلع عليها أحدا، لم أكن بتلك القوة التي تجعلني أنصت لشخص يعد أخطائي، أو بالأحرى كنت خائفة من أن يقتل أحدهم ذاك الشغف، فيتلاشى في أول منعطف.
وعيت قبل فوات الأوان أنني لن أفلح في الكتابة دون قراءة، فمن أين لي بالزاد كي أكتب؟!
اخترت مقروءاتي بعناية تامة، وكنت خلال قراءتي لبعض القامات الأدبية؛ أجدني أقرأ حروفهم بقلبي.. فتساءلت: أتراها كتبت بدم القلب؟ أوليس كل ما كتب بالقلب يقرأ بالقلب؟
اليوم، وبعد سنوات، تذكرت أنني حين قرأت قولة الأديب جبران خليل جبران تساءلت: متى نكتب بالحبر؟ ومتى نكتب بدم القلب؟
وعلمت أن الكتابة لأجل الكتابة هي كتابة بالحبر قد تمحوها قطرات ماء، وقد تتناثر وتتلاشى بريح من رياح الحياة، أما الكتابة بدم القلب فيخطها الألم تارة والأمل تارة أخرى. الكتابة بدم القلب تصنعها الغصة، وتصنعها الهمة، لتصنع المجد..
فالكاتب لقضية يحمل سلاحا لا قلما، والكاتب لجرح يحمل أنيسا مواسيا تارة، ومؤكدا لألمه تارة أخرى. والكاتب لأمل يرجو أن يراه بسمة على ثغر القارئ، يحمل البشرى؛ أن خذها وامض بها ثم بلغها عسى أن تجف بها دموع المارة. وكلهم يضفون على كتاباتهم من روحهم، فتبلغ البشرى أرواحنا، ويوقظ صاحب القضية هممنا. أما صاحب الجرح؛ كأنه كان يدعونا لكبح تلك “الآه” التي ما زال صداها يتردد في آذاننا.
فرغم آلامها، ومشاق طريقها، تظل الكتابة بدم القلب رسالة نبيلة يتناقلها الأجيال، تبلغ القلوب وتشحذ الهمم، وقد تفعل ما لا يفعله سلاح أو جاه أو مال…
ما زلت في كل مرة أقرأ كتابا كتبه صاحبه بدم قلبه أرجو من الله أن أجيد في يوم من الأيام تبليغ رسالتي بدم قلبي، لكي تصل لقلب متلقيها.
رزقنا الله وإياكم الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا ووفقنا لما يحبه ويرضاه.