2020.. سنة الوباء والتطبيع

تمر هذه السنة كباقي سنوات العمر.. بحلوها ومرها.. خيرها وشرها.. سنة فرح وحزن.. نجاح وإخفاق.. سنة أخذت منا أحبابا واكتسبنا فيها أصحابا.. كشفت معادن وأسقطت أقنعة …
إلا أن حدثان بارزان ميزا هذه السنة، وسيجعلانها راسخة في الأذهان وحكاية للأجيال القادمة، إنها “سنة الكورونا” … هذا الفيروس المستجد الذي حصد المئات من الأرواح، وأرعب الكبير والصغير.. فيروس مجهري جعل العالم بأسره يرضخ ويرتبك، والموازين تنقلب رأسا على عقب ..
فيروس لا قيمة له أمام قدرة الله وعظمته حير الخبراء والعلماء وأدخل العالم في حجر شامل، شل حركة السير وهز الاقتصاد وأبعد الآباء عن أبنائهم..
حدث هزني، واستوقفتني الآية الكريمة يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ صدق الله العظيم.
يا الله ما أعظمك، وما أصعب الموقف وأقساه.. اختبار عظيم في الدنيا لمن كان له قلب.. موقف غير هين أصاب الفؤاد وفرض عليه التأمل في قوة الله وقدرته ليدرك بالملموس أن الدنيا لا تساوي جناح بعوضة..
استوقفتني هذه الجائحة، بل أرغمتني على جمع شتات أمري ولملمة أوراقي ومراجعة حساباتي، أهذه الدنيا التي تعج بالصراعات والأحقاد والتسابق والكبد تستحق حقا؟ ما أغفلك يا نفس وما أجهلك ..
مرت بنا فترات وما زالت، أضحى شغلنا الشاغل وهمنا الأول أن نكون من ركاب سفينة النجاة… الصحة يا لها من نعمة…
كلما ارتفع عدد الإصابات والوفيات تضرعنا إلى الواحد الأحد قاهر كل مرض…
يا الله صوت واحد يصدح باسمك الرحيم رغم اختلاف الألسن واللون والجنس والدين..
رحماك بنا يا رحمان….
أي نفسي الأمارة والله إن الدنيا لا تستقر على حال، ولا يؤمن لها جانب، ولا ينجو منها إلا من كان له قلب سليم غير سقيم وألقى السمع.. فاجعلي لآخرتك نصيبا من دنياك تكوني من الفائزات..
والحدث الثاني الأبرز والأوجع للقلب أنها سنة ختمت بالتطبيع…. ليست كل الخواتيم مسكا، فبعضها سم زعاف وخذلان…
آه يا فلسطين! كيف لنا أن نعتذر منك؟ بنو العروبة قدموك قربانا لكيان غاصب.. كيف للقلب الذي آمن بعدالة القضية والحق في الدفاع عن الأرض المسلوبة أن يتحمل كل هذا الوجع والصدمات..
كيف لعقل سوي أن يرضخ لتبريرات واهية، تزعم بأن التطبيع مع كيان إرهابي يروج لمجد مزيف فأل خير وجلب للرخاء…
منذ متى كان القاتل والمغتصب والإرهابي يوزع الورد والشهد… اليد الملطخة بالدماء لا تقدم سوى الخراب والمهانة…
ختمت هذه السنة بمقايضة غير أخلاقية، والأيام المقبلة ستشهد حتما على فاجعة الفعل وفداحته…
كل ما أتمناه مع بداية السنة الجديدة أن يعي المهرولون للتطبيع أن فلسطين أكبر من مجرد بقعة فوق الكرة الأرضية، أشرف من سلعة تباع جهلا بثمن بخس…
فلسطين قضية حية في عقل ووجدان كل حر شريف، كل مشتاق للمقدسات والمآذن والمدائن والكنائس.. مشتاق للصلاة بالمسجد الأقصى.. فلسطين المرتبطة في الفؤاد بالقدس الشريف والواجب الديني…
لنا موعد بك يا أرض الأنبياء لا يخلف أبدا وسيعود الحق لأصحابه، يقينا منا أن الليل سينجلي والصبح سيشرق من جديد والاستبداد أصل البلاء إلى زوال.
نودع هذه السنة بما لها وما عليها لنستقبل عاما جديدا بنفس جديد كله تحدٍّ وإيجابية وعزم وهمة..
أسأل الله الكريم أن يجعل 2021 عام خير وبركة وفرح للعالمين، وأن يرفع الوباء، وأن تكون بداية نهاية البلاء، ولنا في ذلك رجاء واستبشار وانتظار الموقن الفطن..
وأن يعوض كل مبتلى في 2020 عوض الصابر المحتسب المسلم لقضاء الله وقدره وحكمته ورحمته ….
كل سنة وأنتم جميعا في حفظ الله ورعايته.