صلح الحديبية والتطبيع.. أية علاقة؟

يروج أنصار التطبيع اليوم لمجموعة من المغالطات يرومون بها إضفاء الشرعية على فعلهم الظالم الشنيع، من بينها توقيع الرسول صلى الله عليه وسلم لصلح الحديبية مع كفار قريش، فهل يشبه هذا الصلح ما تقوم به الأنظمة العربية اليوم من هرولة رسمية نحو تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني الغاصب؟
خلاصة ما حدث عام الحديبية في السنة السادسة للهجرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم اتجه لتحرير مكة من كفار قريش بعد رؤيا تبشر بذلك، لكن لسببين ذكرتهما سورة الفتح تحول اتجاه الأحداث من غزوة الحديبية إلى صلح الحديبية، وهما؛ وجود بعض المومنين الذين كانوا يكتمون إيمانهم بمكة، وإعطاء مهلة إضافية لإسلام بعض القرشيين، كما أن الله تعالى لم يشأ سفك الدماء بمكة إلى حين تراجع أكبر لقدرات العدو، وهو ما حدث فعلا بعد سنتين؛ إذ هاجم صلى الله عليه وسلم المشركين وفتح مكة دون قتال يذكر بعد أن نقضوا الصلح. لكن هذا الصلح لم يكن تطبيعا بالمعنى الذي يروج له البعض اليوم، من عدة وجوه:
1- أنه كان هدنة مؤقتة حددت في 10 سنوات مع طرف يعتبر عدوا، ولم يكن اعترافا متبادلا بعلاقات طبيعية دائمة، وهذا ما تسير عليه حتى المقاومة في فلسطين؛ إذ تستند على ما ذكر لإقامة هدنة حسب الظروف مع العدو الصهيوني دون الاعتراف به كدولة ..
2- لو كان هذا الصلح دليلا على التطبيع لتم الحديث عن حق قريش في حكم مكة، كما يتحدثون عن حق اليهود في شغل وسكنى أراضي فلسطينيين ما زال أغلبهم يملك أوراق ملكيتها.
3- بعد اعتراض عدد من الصحابة رضي الله عنهم بيّن عليه الصلاة والسلام لهم أنها حكمة الله وأنه ناصره على المشركين في الوقت المناسب حسب المشيئة الإلهية، ولو كان تطبيعا لما تم الحديث عن منتصر ومنهزم أو رابح وخاسر، وإنما علاقات الكل فيها رابح، هذا ما يدعيه المطبعون اليوم، وإن كان اليهود هم الرابح حقيقة من هذه الصفقة الظالمة لأنهم هم من يحتل الأرض ولم يسلموا مقابل التطبيع شبرا منها..
4- لم يكن في نية المسلمين أن يكون هذا الصلح نهاية للصراع، بل وقعوه على مضض – لحكم ربانية ذكرنا بعضها في البداية – وهم ينوون العودة لجهاد المشركين وتحرير المسجد الحرام..
5- بعيدا عن صلح الحديبية، جميع اتفاقيات النبي مع اليهود بالمدينة تمت على اعتبار أنهم مواطنون وليسوا مستوطنين محتلين كيهود اليوم بفلسطين، وجميعها انتهت بخيانتهم، لدرجة محاولات متكررة لقتل رمز الأمة صلى الله عليه وسلم.
يظهر لنا جليا مما سبق أن ما يقع من تشبيه للتطبيع بصلح الحديبية خلط للأمور وتعسف باطل، فصلح الحديبية لم يكن تنازلا عن الحق وإنما تأجيلا للفتح إلى حين استكمال شروط الجهاد في سبيل الله تعالى، قال الله تعالى في كتابه العزيز في سورة التوبة آية 74: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.