دة. العلوي المدغري: ثنائيات بانيات لخطاب الرحمة عند الإمام عبد السلام ياسين

في مداخلتها في الجلسة العلمية الأولى من فعاليات المؤتمر العلمي الدولي الثالث في موضوع “البعد الإنساني في الفكر الإسلامي المعاصر: الإمام عبد السلام ياسين نموذجا” المنظمة بعد زوال اليوم السبت 19 دجنبر 2020، قالت الدكتورة صوفية العلوي المدغري إن الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى شقّ للإنسان “طريقا يحثه على طلب الكمال قبل أن يدخل قبره على طريق الرحمة المهداة سيد الخلق وأشرفهم صلى الله عليه وسلم”. وأنه تلقى “حديث الرحمة المسلسل بالأولية” بالسند المتصل عن الشيخ الحافظ سيدي عبد الله بن صديق الغماري “الراحمون يرحمهم الرحمان ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء” (1)، وبث كنهه في ثنايا كتاباته التجديدية لمعالم الدين. واستعمل الإمام مصطلحات ومفاهيم جاءت “خادمة لمواقفه الثابتة في بناء مشروعه المجتمعي”.
خطاب حاولت المدغري “جمعه في ثنائيات بحسب ما تقتضيه صلة اللفظ بالمعنى فتشكل مع بعضها البعض دلالات خادمة لخطاب الرحمة ودالة عليه”. فتناولت في صورة أولى خصصتها لثنائيات مترابطة ثنائية الحكمة والرحمة، اللتين “وردتا عند الإمام شاملتين للعوالم الجامعة للإنسانية غير أن لكل واحد منهما موضعه الخاص: القلب الرحيم، والعقل الحكيم”؛ ففي الحقل التربوي السلوكي اعتنى الإمام “بمبدأ الرحمة بالنفس والرفق بها، على طريق المنهاج النبوي الأقرب من سيرة الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم” دون “خنوع لها كذلك، بل تحكيم شرع الله ومنهاج رسوله الكريم توسطا واعتدالا”. وفي الحقل الدعوي هي “توظيف للصرامة بميزان الرحمة.. لا بمنطق العنف المخالف للرحمة والرأفة والأناة، وهو الموقف الثابت الذي سلكه مع كل التوجهات والتيارات. وفي الحقل السياسي؛ أوضحت المتكلمة أن السياسة الحكيمة تنطلق عند الإمام من العفو بدل الانتقام، كما أن التوسط والاعتدال في التعاطي مع معطيات إعصار الحداثة الصاخب هو السبيل الحكيم الذي يجمع بين القوة بمعناها الرحيم والرحمة بمضمونها الاقتحامي الدعوي”.
أما الحكمة عند الإمام فكشفت المدغري أن “موضعها العقل ومضمونها هو إعادة الفطرة إلى سلامتها ؛ إلى عبادة الله وحده لا شريك معه”، حكمة “تكمن في سبر كنه الدين والعمل به في استحضار سلطة العقل الذي يتلقى من القلب رحمة الإيمان فيمحّص ويجرب ليخلص إلى الحقائق التي لاشك فيها ولا ريب. حتى لا ترى في الوجود سوى المعبود سبحانه وحده لا شريك معه، وأن عبادة ما دونه هو جهل وأمية، وتعطيل للعقل الحكيم”.
وتناولت الباحثة بمركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات في الصورة الثانية التي تخص ثنائيات متكاملة؛ ثنائية القوامة والحافظية، وعدّت أن “من أهم تجليات خطاب الرحمة عند الإمام اهتمامه بالأسرة وبالبناء الأسري، خاصة ما يتعلق بعلاقة المرأة والرجل”، وأنه “من إبداع الله عز وجل في خلقه أن جعل لكلا شطري النفس أدواراً ومهاماً تكمل بعضها البعض؛ فجعل للرجل القوامة، وخصّ المرأة بالحافظية”.
“ومفهوم القوامة عند الإمام بدى ببعد رحماني وليس ببعد تسلطي تجبري مرتكزه المهمة الاستخلافية التي منطلقلها الأسرة نواة المجتمع.. فالقوامة عنده مصباح وبوصلة لخدمة أهل البيت ورعاية مصالحهم، وتفان دائم وتضحية ورحمة وإحسان لعمارة الأرض وإقامة شريعته، لأن أصلها أمر قرآني ووصية نبوية ومطلب شرعي”. تقول المتكلمة وتضيف: “والحافظية تتكامل مع القوامة وبدونها لايستقيم حال الرجل والمرأة، ولاتستقيم الأسرة من أساسها، فبرج المرأة الاستراتيجي يقتضي يقظة وحرصا شديدين، والحافظية آلية من آليات حماية هذا البرج وأهله”، وهي “صفة جليلة من صفاته عز وجل تنطلق من البيت لتمتد نحو أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أعظم مهمة إذا رعتها المرأة وأحسنت القيام بها”.
وخلصت إلى أنه يتبين في الفقه التجديدي المنهاجي للإمام “أن ثنائية القوامة التي هي مهمة وخاصية الرجل الذي أهله الله تعالى ليجاهد في إثباتها بإتقان وإخلاص، مكملة لحافظية المرأة التي شرفها الله بها باعتبارها أمانة عظيمة وبرجا جهاديا تربويا، ترابط فيه المرأة وتمارس وظيفتها كاملة إلى جانب الرجل، لذلك فالقوامة والحافظية ثنائيتين متلازمتين ومتكاملتين، تكمل إحداهما الأخرى تكامل المرأة والرجل رحمة بهما معا”.
واختارت المدغري ثنائية المُوادّة والتعطّف في الصورة الثالثة الخاصة بثنائية مترادفة، التي تجمع المعنى العام للمترادفات القريبة منها من الناحية الدلالية؛ فعلى مستوى العلاقات القريبة اعتبر الإمام أن معاني التودد والتعطّف صبرا وتغاضيا يجعل العلاقات الاجتماعية وعلاقات الجيرة والصحبة في استمرار دائم، “فالتودد والتحاب وبذل الجهد بالرعاية القلبية لهو مدار الأمرِ كلِّه لبناء مجتمع ينطلق من الأسرة ويمتد نحو الأقرب فالأقرب لبناء صرح أمة العدنان”. وعلى مستوى العلاقات البعيدة: أكد الإمام أن “الرفق أصل من أصول الدعوة النبوية”، والمشروع التجديدي في نظره “لن يحل أزمات المجتمع بضربة لازب ولكن من تزود بالصبر والأناة والرفق والرحمة، وفهم ما تقتضيه المرحلة في علاقتها بالواقع محكما لشريعة الرحمة المهداة، فأكيد لن تكون نهايته إلا فوزا ونصرا”.
(1) حديث حسن صحيح، أخرجه أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة/