اليوم الأول من فعاليات المؤتمر الدولي الثالث في فكر الإمام.. مائدة فكرية غنية

افتتحت جماعة العدل والإحسان صباح اليوم السبت 19 دجنبر 2020 فعاليات المؤتمر العلمي الدولي الثالث عن بعد في فكر الإمام عبد السلام ياسين، والذي تنظمه مؤسسة الإمام عبد السلام ياسين للأبحاث والدراسات بمناسبة الذكرى الثامنة لرحيله رحمه الله في موضوع “البعد الإنساني في الفكر الإسلامي المعاصر: الإمام عبد السلام ياسين نموذجا”.
واستهلت الجلسة الافتتاحية بتلاوة آيات من الذكر الحكيم للقارئ المجود إبراهيم أدغم، ليتناول الكلمة رئيس مؤسسة الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله للأبحاث والدراسات الدكتور عمر أمكاسو الذي استحضر مجموعة من السياقات العامة والخاصة التي جعلت موضوع البعد الإنساني موضوعا ملحا، وكانت سببا في اختياره عنوانا للمؤتمر، والتي يمكن تلخيصها في الإقصاء والتبخيس الذي يعرفه البعد الإنساني في كافة مجالات الحياة بسبب تنامي النزعة المادية، وكذا الحضور المحتشم للجانب الإنساني في خطابات ومكتوبات حملة المشروع الإسلامي المعاصر، فكان هذا المؤتمر – كما صرح أمكاسو – فرصة لإعادة الاعتبار للإنسان باعتباره ليس مادةً فقط، بل هو أشواق وقيم وروح، وباعتبار الإسلام هو دين الإنسان في كلمة واحدة. وفرصة كذلك للتأكيد على المشترك الإنساني الذي حرص الإمام رحمه الله تعالى على التركيز عليه في مشروعه المنهاجي.
وفي الكلمة باسم جماعة العدل والإحسان أبرز الأمين العام محمد عبادي مكانة فلسطين والمسجد الأقصى عند المسلمين عامة وعند المغاربة بالخصوص قائلا: “لا فرق عندنا بين غزة والصحراء وسبتة ومليلية؛ كلها أرض المسلمين يجب أن نستردها “.
ولفت الأستاذ عبادي الحاضرين إلى المقاصد من إحياء الذكرى وتنظيم المؤتمر، والتي كان أولها هو “الترحم على الإمام الذي كان سببا لما نحن فيه من خير”، ثم التعريف بمشروعه رحمه الله باعتبار أنه “ملك للمسلمين وملك للأمة جمعاء”، ذاكرا بعض أخلاق الإمام ورحمته في تعامله مع الغير وتعامله مع من ظلمه، واصفا هذا الخلق “بالوراثة النبوية”.
واستمرارا في أشغال الجلسة الافتتاحية، عرض الفريق الإعلامي للمؤتمر شريطا تحت عنوان: “مجمع البحرين”؛ الذي كان عبارة عن رسالة للإمام رحمه الله باسم أبناء الجماعة، تبرز أثر مشروعه في نفوسهم وفضله على نشأتهم نشأة سليمة في طاعة الله عز وجل.
أما المحاضرة الافتتاحية باللغة العربية فكانت تحت عنوان “البعد الإنساني في النظر المنهاجي: قول في الأصول والبواعث والمطالب”، وأطرها أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي بجامعة عبد المالك السعدي أحمد الفراك، وأبرز من خلالها اهتمام الإمام رحمه الله الكبير بالقضايا الإنسانية والقضايا ذات التهمم المشترك بين جميع بني آدم، موضحا ما استند عليه النظر المنهاجي في هذا الباب من أصول (القرآن والسنة)، ومحددا البواعث التي تحركه (تزكية الإنسان وتحريره)، ومؤكدا على مطلبي العدل والإحسان اللذين ينشدهما النظر المنهاجي في البعد الإنساني باعتبارهما مطلبين مرتبطين ارتباطا كليا وجوهريا.
وفي ذات السياق أبرز أستاذ اللغة العربية بجامعة على كرة الإسلامية بالهند محمد ثناء الله الندوي “معالم البعد الإنساني في فكر الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله” والتي اتخذها عنوانا لمحاضرته الافتتاحية باللغة الإنجليزية. ووصف ثناء الله مفهوم الإنسانية عند الإمام بـ”الشامل”، معتبرا المنهاج النبوي هو الروح والإحسان الإلهي الذي ينظم وجود الإنسان في المجتمع.
وشهدت الفترة الزوالية مداخلات مهمة لأساتذة وباحثين من المغرب وفلسطين وقطر، تناولوا خلالها موضوع “الأصول والمفاهيم المؤسسة لرسالة الرحمة في العالمين” الذي كان عنوان الجلسة العلمية الأولى من المؤتمر.
فمن فلسطين استعرض الدكتور محمد كمال سالم ديب، مدير أوقاف غزة وأستاذ تفسير القرآن الكريم بكلية الدعوة الإسلامية، مظاهر خلق رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين وغير المسلمين، وخص المستضعفين منهم بالذكر مستدلا بآيات من القرآن وأحاديث نبوية شريفة وقصص وصور من سيرته صلى الله عليه وسلم الذي كان رحمة مهداة للعالمين، وختم الدكتور سالم مداخلته بدعوة مفكري الأمة الإسلامية إلى الاهتمام بإرث الأستاذ عبد السلام ياسين لما فيه من “بصائر مهمة تساهم في نهضة الأمة المسلمة واستعادة مجدها”.
أما الدكتورة صوفية العلوي المدغري، فعرضت خلال مداخلتها ثنائيات بانيات لخطاب الرحمة عند الإمام ياسين، وهي: ثنائية الرحمة والحكمة، وثنائية القوامة والحافظية، وثنائية الموادة والتعطف، مبرزة إياها على عدة مستويات ومستشهدة بأقوال الإمام رحمه الله.
ومن قطر اعتبرت الباحثة خولة مرتضوي أن الإسلام رسالة جاءت لنقل الإنسانية من التمزق والتفرق إلى الوحدة والائتلاف الإنساني الجامع، مستدلة بمشاهد من التاريخ الإسلامي وصور التسامح الحاضر في فكر وممارسة الإسلاميين.
وفي سياق الرحمة بالإنسان وأصولها ومقاصدها في مشروع الإمام ياسين، عرض الدكتور عبد الصمد الرضى، مدير المركز الدولي للبحث العلمي، في مداخلته أصول منهاج الرحمة لدى الإمام رابطا إياها بالمقاصد المرتبة عنها، والتي رام منهاج الرحمة الإنسانية لدى الإمام تحقيقها، ليخلص في الختام إلى توصيات عملية تطلب مزيدا من التدقيق العلمي في منهاج الرحمة لدى الإمام ياسين، والعناية بالخطاب الدعوي المؤسس على منهاج الرحمة النبوية .
وختم اليوم الأول من المؤتمر العلمي الدولي بجلسة علمية ثانية تدارس خلالها المتدخلون موضوع “بناء الإنسان وحوار المشاريع الفكرية والحضارية”.
وكانت الورقة الأولى تحت عنوان “البعد الإنساني في مقاربة قضية المرأة عند الأستاذ عبد السلام ياسين” والتي قدمتها الدكتورة في العلوم السياسية صباح العمراني، وأوضحت من خلالها المساحة الكبيرة التي تحتلها قضية المرأة في نظرية المنهاج النبوي، مبرزة اشتراك المرأة والرجل في حقيقة التكريم الإلهي، ومؤكدة على أهمية المرأة في محورية التغيير وفاعليتها في بناء مجتمع العمران الأخوي، ومستشهدة بقول الإمام رحمه الله: “التعبئة البعيدة المدى تبدأ منكن أمهات الأجيال، صانعات الغد، ولد عمل صالح وتربية ومدرسة تحضنها الأمهات”.
أما الأستاذ الباحث في الفكر الإسلامي ومشاريع التجديد، الدكتور محمد الزاوي، فكانت مداخلته تحت عنوان: “البعد الإنساني في الفكر الإسلامي بين مطلب الحفظ ومطلب الكمال عند الإمام ياسين”، وضح من خلالها أن الفكر الإنساني عند الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله يتراوح بين مقصدين يؤطران مشروعه التجديدي؛ المقصد العدلي والمقصد الإحساني، مبرزا حرص الإمام على ارتقاء الإنسان وبلوغه أفق كماله، ومعتبرا الإنسانية هي الرابطة الأم التي لا ينبغي للإنسان المؤمن أن يتنكر لرحمها.
وعرض الدكتور والباحث في علم الاجتماع محمد السلمي موقع الإنسان في المشروع الفكري للإمام عبد السلام ياسين، مشيرا إلى أن الإمام يملك خيطا رابطا جامعا يوجه فكره وعقله وقلبه ووجدانه وسلوكه صوب الوجهة التي يقصدها، وخلاصتها حسب المتحدث ثلاثية؛ أولاها “تذكير بالأصل والهوية” ثم “تذكير بالدور والرسالة”، وثالثها “تذكير بالمآل والمصير”، والتي اعتبرها ثلاثية تحمل أجوبة الأسئلة الوجودية الكبرى.
أما الورقة الأخيرة فكانت تحت عنوان “البعد الإنساني في فكر الإمام: تحرير المرأة نموذجا”، وقدمتها الدكتورة وفاء توفيق الباحثة في المقاصد الشرعية وقضايا المرأة، والتي رصدت وضعية المرأة عبر التاريخ البشري التي استعادت مكانتها في زمن الوحي لتفقدها بعد ذلك في زمن الملك العاض والجبري.
ووضحت المتحدثة بأن الفكر المنهاجي عند الأستاذ ياسين يعتبر أول محدد لحرية المرأة هو تحرير عقلها وقلبها وروحها لمعرفة خالقها، مقرة بأن الانكسار التاريخي والاستعمار الفرنسي هما سببا انحدار وضعية المرأة، ومقدمة جملة من المقترحات والمداخل لاسترجاع المرأة لمكانتها وحريتها المسلوبة.
يذكر أن فعاليات المؤتمر ما تزال مستمرة إلى الغد؛ الأحد 20 أبريل 2020، مع جلستين علميتين وجلسة ختامية وبحضور أساتذة وباحثين من مختلف دول العالم.