البعد الإنساني في مقاربة قضية المرأة عند الأستاذ عبد السلام ياسين

تقديم
قال الله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا الإسراء، 70.
استأثرت قضية المرأة باهتمام بالغ في الأوساط الفكرية والعلمية سواء عند القدامى أو المحدثين، واختلفت أهميتها وزاوية النظر إلى قضاياها باختلاف المرجعيات والإيديولوجيات. وقد احتلت مساحة كبيرة في نظرية المنهاج النبوي عند الأستاذ عبد السلام ياسين، يقول في كتاب تنوير المؤمنات: “لو أصبح المسلمون فردا فردا على أتقى قلب واحد منهم، ولو اجتهدوا في الأعمال الصالحة الفردية ما اجتهدوا، ثم لم يؤلفوا قوة اقتحامية جماعية تكون المرأة فيها فعالة لفاتهم فردا فردا درجة الجهاد، ثم لفات الأمة ما فاتهم، ولترَدَّت الأمة بترديهم عن الدرجة العالية، ولتبدد حاضرها وضاع مستقبلها بتبدد إرادتهم وتشتتها” (1).
ويعتبر عبد الوهاب المسيري أن مشكلة المرأة بالنهاية مشكلة إنسانية لها سماتها الخاصة، وأن أزمتها جزءٌ من أزمة الإنسان في العصر الحديث، وكذلك ينبغي أن نجترح حلولًا لمشكلاتها متولّدة من نماذجنا المعرفية ومنظومتنا القيمية والأخلاقية. وتناول الأستاذ عبد السلام ياسين قضية المرأة برؤية تجديدية، تتحدى قرون الانحطاط، وأزمنة القهر والحيف والاستبداد، وفقه الانحباس والتخلف، لتستقي من معين الرحمة المهداة نورانية تحرير المرأة في زمن النبوة، متخطيا الرؤية المتقلصة التي تهمش المرأة في ركن بعيد ومعزول عن قضايا الأمة، أو تلك التي تعتبرها قضية مجردة من كل أبعادها الإنسانية. إذن، ماهي تجليات البعد الإنساني في مقاربة قضية المرأة عند الإمام؟ وأية علاقة بين مصيرها الفردي ومصيرها الإنساني؟
1- المحور الأول: الرحم الإنسانية مناط التكريم الإلهي للمرأة
يؤكد الأستاذ ياسين رحمه الله على اشتراك المرأة والرجل في حقيقة التكريم الإلهي، فالله عز وجل كرم الإنسان وسخر له كل المخلوقات رجلا كان أو امرأة، والخطاب الرباني ينادي كليهما للعمل الصالح والجزاء الأوفى في الدنيا والآخرة: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَو أُنْثَىٰ وَهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (النحل: 97). لذلك فالمرأة تحظى بالتكريم، وتتمتع بحقوقها كاملة غير منقوصة. وسأتناول هذا المحور من خلال ثلاث أفكار أساسية: الرجل والمرأة أكفاء، الدرجة تناقض المساواة، تكامل الأدوار.
· الرجل والمرأة أكفاء في التكريم
لقد كرم القرآن الكريم الإنسان وأعلى من شأنه، يقول الله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (الإسراء: 70). وقد جعل سبحانه إنسانية المرأة مساوية لإنسانية الرجل في الأصل والمنشأ، وقرر مساواتها للرجل في العمل والجزاء والمصير، يقول عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً (النساء، 1)، ويقول أيضا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (الحجرات، 13)، يقول الإمام المجدد رحمه الله: “المؤمنات والمؤمنون أكفاء في شرع الله المنزَّل بميزان العدل. لا ترجَحُ كفة الرجل ولا كفة المرأة إلا بالتقوى. تجد هي ويجد هو فضل ذلك الرجحان في ميزان الحسنات يوم القيامة. أما التكافؤ في الحقوق والواجبات هنا في الدنيا فمحكوم بشريعة مفصلة ثابتة ثبوت الفَلَك الدَّوّار وثبوت نواميس الله في الكون”، وقال الله عز وجل: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ (آل عمران، 195). ولقد ساوى الله عز وجل بين الرجل والمرأة في المسؤوليات العامة فقال الرسول صلى الله عليه وسلم مبينا ذلك: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها” (2)، فالإسلام جعل المرأة إنسانا كالرجل لا يُنقَص من إنسانيتها شيئا، يجري على المرأة ما يجرى على الرجل، إلا ما تختص به طبيعتها من مستثنيات خففها الله عنها رحمة ورأفة بها، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إنما النساء شقائق الرجال)) (3).
· هل الدرجة والقوامة تناقض المساواة؟
يرى الأستاذ عبد السلام ياسين بأن المؤمنين والمؤمنات أكفاء في شرع الله من حيث التكليف بميزان العدل، فلا ترفع كفة على أخرى إلا بالتقوى، ولكن البعض ممن يشكك في المساواة التي كفلها الإسلام يستشهد بالآية الكريمة وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (البقرة، 226)، (وقد تناول الطاهر بن عاشور وسيد قطب وأبو شقة وغيرهم هذه الآية بكثير من التفصيل). ويرد الأستاذ عبد السلام ياسين أن الإيمان بهذه الآية الكريمة هو إيمان بالقرآن، وأي تشكيك بها فهو كفر، لافتا أن هذه الآية جاءت في سياق أحكام الطلاق، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ثم يتساءل عن مضمون الدرجة: هل هي براءة تمنح للرجل وتفويض لكي يدوس المرأة تحت قدميه أم هي مسؤولية رعاية أمينة وقيادة رحيمة؟ بعد أن بينت الآية التساوي في الحقوق والواجبات والتساوي في الخضوع للأحكام، أقرت بالدرجة التي هي “إمارة في القافلة الاجتماعية، الزوجية والسياسية، هي بمثابة أمير السفر الذي أوصت به السنة النبوية” (4)، وهي ليست درجة تفضيل بقدر ما هي إثقال ميزان الرجل بمثاقيل المسئولية مخففا الأعباء عن المرأة من أجل إتقان مهمة لا يمكن للرجال تقلدها. أما عن القوامة فيقول رحمه الله: “نتأمل مسؤولية القوامة في دائرة الوصية النبوية النهائية في خطبة الوداع (الله الله في النساء) مرتفعين بتلك المسؤولية من معنى تكفل الرجل بقوته وعضليته وماله ورئاسته إلى معاني طاعة الله وطاعة رسوله ورعاية وصيته”، القوامة هي مسؤولية القيادة الرفيقة والرعاية، مسؤولية رفيقة في مجال الكسب والمدافعة والسعي على العيال، رعاية حكيمة تقرأ في فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يقول الإمام: “الرجل في بيته نجد نموذجه في رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان في خدمة أهله إذا دخل البيت، وكن ينازعنه ويراجعنه فيحلم ولا يغضب، ويتلطف ويداري” (5).
· تكامل الأدوار
يقول الله سبحانه وتعالى على لسان زوجة عمران: ليس الذكر كالأنثى (آل عمران، 36)، يقول سيد قطب في ملامسة هذه الآية: “إن المنهج الإسلامي يتبع الفطرة في تقسيم الوظائف، وتقسيم الأنصبة بين الرجال والنساء، والفطرة ابتداء جعلت الرجل رجلا والمرأة وأودعت كلا منهما خصائصه المميزة لتنوط بكل منهما وظائف معينة لا لحسابه الخاص ولا لحساب جنس منهما بذاته، ولكن لحساب هذه الحياة الإنسانية التي تقوم وتنتظم … عن طريق هذا التنوع بين الجنسين” (6)، وهذا التنوع في التكوين والخصائص، يقابله التنوع في التكليف والوظائف، فالرجل والمرأة خلقهما الله سبحانه وتعالى متكاملين، الرجل له وظيفته في السعي على الرزق، ورعاية زوجته وأولاده، وتوفير أسباب الحياة لهم. والمرأة لها مهمتها في رعاية الفطرة. يقول الإمام المجدد رحمه الله: “فالرجل مسؤول عن رعيته يربيها، ويطعمها، ويكسوها، ويحميها، ويقيها نارا وقودها الناس والحجارة بتوجيهها إلى الإيمان. والمرأة حافظة لغيب الرجل، حامية لظهره، كي ينبعث إلى جهاده آمنا أن تظهر من خلفه عورة تكسر صلبه. جند الله كتائب بعضها يغشى ساحة الجهاد على كل الجبهات، وبعضها خصص الله له الجبهة الأمامية جبهة إعداد المستقبل، جبهة الحفاظ على الفطرة وسط المجتمع المفتون، حتى تبرز أجيال غد الإسلام لموعود الله عز وجل” (7). فالأصل كما سبقت الإشارة، أن المرأة مساوية للرجل مساواة تامة من حيث الجنس والحقوق الإنسانية، ولا يقرر التفاضل إلا في بعض المسائل المتعلقة بالاستعداد أو الدربة (8)، وبينهما تتكامل الأدوار نظرا لتمايز الاستعدادات بين طرفي العلاقة، فكلا الدورين يتكاملان، ولا يمكن الانتقاص من دور على حساب آخر، وهذه المساواة التي تتحقق من خلال تكامل الأدوار تتمثل في تحمل الواجبات وممارسة الحقوق بين الرجال والنساء. فليس الضابط في التأهل من عدمه هو الجنس الذي يحمله كل منهما، بل إن الضابط هو نوعية العوارض التي تعرض لكل منهما (9). ولكن مع تغلغل المرجعية المادية وتراجع المرجعية الإنسانية تبين أن حركة التمركز حول الأنثى حسب كل من هبة عزت رؤوف وعبد الوهاب المسيري، أدت إلى تحويل العلاقة إلى صراع كوني أزلي مع الرجل المتمركز حول ذاته هو الآخر، صراع يشل عملية البناء ويحد من فعالية المرأة في التغيير.
2- المحور الثاني: فاعلية المرأة في بناء مجتمع العمران الأخوي
يعتبر الإنسان في مشروع الأستاذ عبد السلام ياسين محور عملية التغيير ووسيلته وهدفه، وبناء الإنسان وإعادة تربيته هي الطريق الصحيح للتغيير الحضاري المنشود، فهو أساس كل التحولات الإنسانية التي تهدف تحقيق العمران الأخوي؛ “عمران لأن الله تعالى استعمرنا في الأرض واستخلفنا فيها إلى حين. وأخوي لئلا ينسى المومن أنه أخ المومن في الدين، وأخ الإنسان في الإنسانية، يُسعده في الدنيا والآخرة أن يعيش الناس في سلام وأمن منه إذ سلم المسلمون من لسانه ويده، والمومن من سلم الناس من لسانه ويده. المسلم المومن من وسع الناس والخلق جميعا بره وخيره، عمران أخوي له اتجاه ومعنى: اتجاهه صلاح الدنيا لِصلاح الآخرة، من الدنيا الزاد الصالح، وفي الآخرة المستقر السعيد، والرحلة عمران موقت لدار يستكمل فيها المسافر معاني آدميته، وتستكمل فيها الأمة وظيفتها الرسالية. لا تُسْمَعُ كلمتها الرسالية إن كانت أمة مفتقرة هزيلة ضعيفة” (10)، والمرأة المسلمة معنية بقضية البناء، ولا يمكن المراهنة على أي بناء مع إغفال الدور الحيوي والطليعي للمرأة، فلا يقوم به الرجل وحده بل مع المرأة وبمشاركتها الفعالة، تأسيا بالمدرسة النبوية فعلا وتفاعلا.
· تلازمية العدل والإحسان
إن المتشوف للمجتمع النبوي ومجتمع الخلافة الراشدة، يرى أن العبودية الكاملة تتحقق بتلازم مقصد العدل والإحسان، يقول سبحانه “إن الله يأمر بالعدل والإحسان”. الغاية الاستخلافية وبناء مجتمع العمران الأخوي لا يمكن تحقيقها في غياب هذا التوازن بين هذين المطلبين، يقول صلى الله عليه وسلم: “من أصبح وهمه غير الله، فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم”، تكليف لم يخص الله به الرجال دون النساء، ولا يخضع لمقاييس الجنس، بل هو خطاب لكل عاقل رجلا أو امرأة. يقول الإمام رحمه الله: “توازن الشخصية المؤمنة المحسنة ينسج على منوال المعادلة بين ضبط النفس وإنصاف الغير، إن كان ضبط النفس بلجام الشرع شرطا لرقي الإنسان في مراتب الإحسان، فهو في نفس الوقت عطاء جانبي، يضمن كف الأذى عن الناس، ويضمن نهوض المؤمن لصد العدوان والظلم عن الغير” (11). الاستخلاف في الأرض، ونهضة الأمة من غفوتها، واستعادة مكانتها وعزتها، والحديث عن مطلب العدل والشورى، وعن عمارة الأرض ومطلب الإحسان، لن تكون إلا شعارات خالية التأثير، إن لم يشتد قلب الأمة باشتداد قلوب المؤمنين “كان المقصد الأسمى من بعثة الخلاق العظيم سبحانه رسله إلى خلقه جليا مجتمعا كاملا متكاملا في الصحابة على عهد النبوة والخلافة… كان ذلك المقصد الجليل جليا في العقول والقلوب والنيات والعمل الجهادي بجلاء القرآن ونصاعة بيانه وحيويته الدافقة. هذا المقصد هو أن يكون الدين كله لله، وأن لا تكون فتنة في الأرض، وأن يدخل الخلق جميعا في طاعة الله ليحققوا الغاية التي من أجلها وجد العالم. وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات: 56)؛ أمة واحدة برجالها ونسائها، تحمل رسالة العالمين تبلغها وتجاهد وتتوحد عليها وتحكم بمقتضاها” (12).
· البرج الاستراتيجي: الأسرة أساس بناء الشخصية المتوازنة
تضطلع المرأة بدور استراتيجي في بناء مجتمع العمران الأخوي، فموقعها الاجتماعي بصفتها أما مؤمنة يلزمها العمل على تربية أطفالها نفسيا وعقليا ليتأهلوا في مهنة الاندماج الاجتماعي، ومهنة الإنتاج الاقتصادي. إذ إن “الأسرة القوية عماد الأمة القوية، والأم المربية المصلحة عماد الأسرة” (13)، و”الأم المريدة وجه ربها الخائفة منه المتشوقة إلى لقائه، الواثقة بوعده، المتعلمة، العالمة بما لها وما عليها مما رسمته لها شريعته العاملة على ذلك، هي الأس ومنها البناء” (14)، وتذكر الدكتورة هبة عزت رؤوف أنه بسقوط الأم والزوجة تسقط الأسرة ويتراجع الجوهر الإنساني المشترك.
يعتبر الأستاذ عبد السلام ياسين رحمة الله عليه تربية النشء منطلقا وبرجا استراتيجيا ومشتلا: “من برجها الاستراتيجي الجهادي تبعث المؤمنة بُعوثا في طليعتها البنات والأبناء، حفاظا عليهن وعليهم على الأقل، إن لم يكن الاستعدادُ ليسبِق الفارِسُ مُجَلِّياً. جيل يتقدم بالدعوة قُدُماً بعد جيل، راسخا علمُه بما هي المهمة، ثابتة أقدامه، متوكلا على ربه. ويَكون برج المؤمنة مشتلاً لتربية الشجر الطيب، ومنطلقا للبعوث الغازية، لا مجَّردَ ملاذٍ في الأحضان، ومَرْفإٍ للمراكب المنكسرة، ومطعمٍ ومضجع” (15).
· جهاد متعدد الواجهات
إن مهمة المرأة في تربية النشأ وإعداد الأجيال والمساهمة في تكوين الشخصية الفاعلة اجتماعيا والمريدة لوجه الله إحسانا، لا يعفيها من كسب الفضائل ومقاومة الرذائل، وامتلاك القوة الإيمانية الإرادية للترقي صعدا في معارج الكمال الروحي والكمال الخلقي والكمال الجهادي. نفض غبار المخلفات الانحطاطية ومقاومة الدعوة التغريبية جبهات تستوجب تحرير الإرادة والنهل من مدرسة الصحابيات، وكي تحقق المرأة هذا الدور الطليعي في المجتمع، كما أرادها لها الله، لابد من الاشتغال على جبهات أو بالأصح مسؤوليات، تكون المرأة المسلمة أكبر مشارك ومساهم في الاشتغال عليها حاملة لا محمولة:
– جهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: “فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكليفان على المرأة منهما مثل ما على الرجل. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية مشتركة بين الرجال والنساء، هما العمل التضامني الذي يوقف الوَلاية بين المومنين والمومنات على قَدَمٍ… والمرأة المومنة كالرجل المومن نصيبها من المسؤولية السياسية مثل نصيبه” (16).
– جهاد تربوي واجتماعي وسياسي واقتصادي “… ليقُدْنَ جهادا مختلف الأشكال، متنوعَ الوجوه، شاملا لكل مرافق الحياة. جهاد تعليم، وتتويب، وتوعية، ومحوٍ للأمية العقلية والسياسية. جهاد لمقاومة غطرسة الرجل الذي يتذرع بالإسلام وشريعته ليظلم المرأة، جهاد لكيلا يمارس الرجل قوامته ممارسة كئيبة يقايض بالنفقة عبودية المرأة له، وعبادتها إياه، جهاد كسب القوت مادام المجتمع فقيرا لا يستطيع كفالة الأمهات، وما دام المجتمع لا يعطي التربية المقام الأول ليأجر الأم المربية منتجة الإنسان أفضل ما يأجر العاملين” (17).
فموقع المؤمنة السياسي وسلوكها في مدارج الإحسان يحتمان عليها العمل على إنجاح المشروع الإسلامي التجديدي، بناء الذات، والمشاركة في قيادة التغيير وصناعة المستقبل، ووعي بعظم المسؤولية لبناء الأسرة والأمة والإنسانية.
على سبيل الختم
إن الإسلام يمثل أساساً عادلاً لنسق قيمي وأخلاقي يحترم المرأة ويرسم معالم العلاقات التي تنظم علاقة الرجل والمرأة والأسرة والمجتمع في إطار مجموعة من القيم الإنسانية. ويبين الإمام رحمه الله أن الإنسانية منقوصة مبتورة إذا كانت اهتماماتها بالحقوق الدنيوية للإنسان دون حقه الأسمى، فالإسلام يهيئ الطريق للإنسان، عبر توفير عدة وسائل لرحلة ناجحة، تبتدأ من الميلاد إلى الموت، تتمثل في الانتقال من الحيوانية إلى الروحانية، ومن الغفلة عن الله عز وجل إلى الذكر، والمرأة في هذه الرحلة معنية في ذاتها ومؤثرة فيمن حولها، تحمل عبء الحاضر والمستقبل “التعبئة البعيدة المدى تبدأ منكن أمهات الأجيال، صانعات الغد، ولد عمل صالح، وتربية ومدرسة تحضنها الأمهات” (18).
مداخلة تقدمت بها الدكتورة العمراني في الجلسة العلمية الثانية من فعاليات المؤتمر العلمي الدولي الثالث في موضوع “البعد الإنساني في الفكر الإسلامي المعاصر: الإمام عبد السلام ياسين نموذجا”، يوم السبت 19 دجنبر 2020.
(1) عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ج 1، ص 20.
(2) رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر.
(3) رواه أبو داوود عن أمنا عائشة.
(4) عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ج 1. الصفحة: 155.
(5) عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، مرجع سابق، 1/57.
(6) سيد قطب: في ظلال القرآن، الطبعة 17، دار الشروق بيروت، ج 2، ص 643.
(7) عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، ص 146.
(8) تغاريد بيضون: “المرأة والحياة الاجتماعية في الإسلام” دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، لبنان. الطبعة الأولى 1985، الصفحة: 49.
(9) أحمد مبارك سالم، “القرآن الكريم وقضية المرأة في نظرية المنهاج النبوي عند الأستاذ عبد السلام ياسين”، كتاب أعمال المؤتمر العلمي الأول في موضوع: “مركزية القرآن في نظرية المنهاج النبوي عند الأستاذ عبد السلام ياسين” 1 / 2 دجنبر 2012، الجزء الثالث. الصفحة: 30.
(10) عبد السلام ياسين، حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، مطبوعات الأفق، ط1/1994م. ص 189.
(11) عبد السلام ياسين، الإحسان، ج 2 / 367.
(12) عبد السلام ياسين، نظرات في الفقه والتاريخ، ط/1415هـ 1995م، دار البشير طنطا، ص 57.
(13) عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط 1، د 1، ص 130.
(14) المرجع نفسه، ص 229.
(15) المرجع نفسه، د 2، ص 240.
(16) عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، 2 / 270.
(17) المرجع نفسه، ج 2، ص 361 و362.
(18) المرجع نفسه، ج 2، ص 357.