إنّ مع العسر يسرا

من عمق الانكسار، تنبت زهرة أمل تواسي وجعا طالما شكوت حدته على قلبك المرابط في جحافل الحزن.. كأنك نسيج وحدك، لا يضاهي غربتك أحد، السماء اكفهرت فوق رأسك من دون الخلائق.. حتى ذلك الليل الدامس لا نهاية له في وعيك… ركام من رسائل اليأس كانت حديث نفسك المرتجع صداه بين جوانحك؛ لماذا أنا؟ ولماذا هم يختلفون عني في كل شيء؟ غريبون فعلا، يضحكون ويغنون، يعيشون السعادة حرفا حرفا؛ يسافرون، يقطفون الورود، يشترون أحاديث الود، يداعبون نسائم الفرح وهي تباغتهم في كل لحظة وحين.
ولمَ تستغرب وقد دفنت نفسك في أوهام حولك وقوتك؟ من قال إنهم بدون آلام وإن علت ضحكاتهم؟ من توهم أنهم لا يتقنون ذرف الدموع، لكن وهم يئنون أمام عظيم تجلي الله في ظلمات وصالهم وسويعات أنسهم بربهم؟
صدقت؛ هم غريبو الأطوار لأنهم تخلصوا من أثقال حياتهم ووضعوها بين يدي خالقهم… سلموه كل المفاتيح.. حتى ذاك القلب المتقلب، سلموه له، لم يعد يشغل بالهم تأخر رزق وهم بين يدي الرزاق، ولم يعد يخيفهم ظلام وهم يهتدون بنور سناه، كانوا يعُدُّونَ الزمن مثلك، لكنهم توقفوا بعدما اطمأنت أرواحهم إلى الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. تردد اليقين في دواخلهم ليطرد الوهن من خفاياهم.
كانوا يشككون في النصر فبات يسكن وجدانهم. يؤمنون بأن أقدار الله ما كان لها أن تكون لولا أن أذن لها المولى، فأرسل معها لطفه، وتلقف بعنايته كل القلوب التي كادت تتهاوى وهي لا تفقه حكمة الله. استعادوا الوقوف واستعدوا للتوقف عن كل ما ينزع ثقتهم بالله… مسلمون خاضعون لجلال الله وقدرته… ثابتون به، كائنون به لا بغيره، لائذون بحماه، مؤمنون بقدرته، موقنون بنصره، يخططون على سجادة ليلهم خرائط نصرهم، ويرسلون عبر سهام أدعيتهم بشائر الفتح القريب.
إنهم عباد الرحمن خرجوا من حولهم وقوتهم إلى حول الله وقوته، وفهموا عن الله أن تصاريف القدر لا يفقه حكمتها البشر، وأن التسليم لله شرط، والحركة في الفعل جهاد، وأن مع العسر يسرا.