أثر الاستجابة على السلوك إلى الله

خلق الله عز وجل الإنسان فأكرمه ونعمه وهداه النجدين. ولك أخي ولك أختي أن تختاري طريقك وتبني بيت دينك لبنة لبنة حتى تتمي البناء.
يبدأ البناء ويبدأ الترقي من عقد تعقده النساء ويعقده الرجال مع ربهم جل وعلا أن يتخلين وأن يتخلوا عما كان ويكون فيهما من أمور الجاهلية. وتلك بداية التربية الإسلامية الإيمانية الإحسانية.
أولى خطى التربية التوبة ثم اليقظة؛ توبة صادقة ومتجددة عن كل المعاصي والغفلات. ويقظة قلبية دائمة ومستمرة تكون بوصلتنا في سلوكنا إلى الله عز وجل، وتستنهض هممنا لنسارع ونسابق ونغتنم ونستجيب.
فالنداء من الله والاستجابة منا تليها استجابة من الحق سبحانه وتعالى وهي النتيجة والأثر.
فالله عز وجل حين يدعونا للدعاء والذكر والصلاة ونستجيب يصبح سبحانه وتعالى أقرب إلينا منا. (… فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)، (ادعوني استجب لكم)، (أنا جليس من ذكرني). فأنعم به من أثر على القلوب. وأنعم بها من حياة طيبة.
يظهر لنا أثر الاستجابة للنداء في هذه الفقرة من كتاب “مقدمات في المنهاج” للأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله: ” ويزداد إقبال العبد على ربه فيتميز فعله وتزداد علاقته بربه متانة وتكتسي حياته كلها معاني الاستجابة لداعي الله وتنضبط حركته بأمر الله سبحانه ونهيه انضباطا أوثق فيكون مؤمنا… ويكون التقرب إلى الله عز وجل دافعه الدائم فإذا هو على معراج الإحسان”.
فطوبى لمن أصبح هذا حاله وصارت هاته حياته. “قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” (الأنعام، 162).
لا يمكن لتلك التوبة الصادقة المتجددة وتلك اليقظة القلبية إلا أن يزيدانا قربا من الله عز وجل وحرصا على نيل رضاه بالاستجابة لنداء المسارعة والمسابقة لفضائل الأعمال.
فمثلا حين نسمع (الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس) بالاستجابة الفورية نعفي عمن ظلمنا ونصل من قطعنا ونصبر على من آذانا، فما يزيدنا ذلك إلا قدرة على تحمل الناس والصبر على أذاهم. نقبل اختلافهم ونلتمس لهم الأعذار ونحسن إليهم وإن أساؤوا.
تصبح كل حركاتنا وسكناتنا لله وبالله، وتلك ثمرة حب الله لعبده المستجيب كما جاء في الحديث القدسي.
وهو أثر آخر لإجابة نداء الحق جل وعلا.
يقولُ اللَّه تبارك وتعالى: “ما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحب الي مما افترضتُ عليْهِ، وما يزالُ يتقرَّبُ عبدي إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أحبَّهُ، فإذا أحببتُهُ كنتُ سمعَهُ الَّذي يسمعُ بِهِ وبصرَهُ الَّذي يبصرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يبطشُ بِها ولئن سألني لأعطينَّهُ ولئنِ دعاني لأجيبنه ولئن استعاذَني لأعيذنَّهُ، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُهُ تردُّدي عن نفسِ المؤمنِ يَكرَهُ الموتَ وأَكرَهُ مساءتَهُ” (رواه أبو هريرة).
ثم نختم بما جاء في سورة البلد. فالسورة تصور لنا بكل وضوح النداء والاستجابة وأثر الاستجابة. وهذا الأثر ليس إلا استجابة من الله لعباده المؤمنين المستجيبين.
فالنداء هو “فلا اقتحم العقبة”.
والاستجابة هي “ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة”.
والأثر أو استجابة الله عز وجل هي “أولئك أصحاب الميمنة”.
وهي وعد وشهادة من العلي القدير لكل من صدق واقتحم عقبات النفس والهوى والشيطان…
جعلني الله وإياكم من أصحاب الميمنة.