ويستمر العنف ضد النساء

نستقبل 25 نونبر من كل سنة، الذي يصادف اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء، فتصدح الحناجر ويفيض المداد، ويهيمن خطاب الرفض لظاهرة العنف، ونعبر عن سخطنا لاستمرار الظاهرة، وما يمضي اليوم حتى نستيقظ على استمرار الظاهرة وتطورها وتعدد مظاهرها وتجلياتها، وتعدد آثارها مما يمس مكانة المرأة ويحط من كرامتها، سواء كان العنف سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، الشيء الذي يجعلنا نتساءل:
هل أصبح العنف ثقافة ترسخت في أذهان مجتمعنا؟
هل تمثلات المجتمع للصور النمطية للنساء تجعلهن عرضة للظلم بمختلف أنواعه؟
أم أن الأزمة الأخلاقية التي تطبع المجتمع الإنساني اليوم وانتشار ثقافة العنف ألقت بظلالها على واقع النساء؟
أم أن المرأة ذاتها لم تشتغل على نفسها بما يكفي لتنتشل نفسها من واقع الذل والمهانة وتنعم بالرفق والمحبة والتقدير؟
ليس العنف ظاهرة جديدة، بل هي ظاهرة ضاربة في القدم، وهي أيضا ظاهرة عالمية تتفاوت حسب طبيعة المجتمعات وثقافتها ومدى تقدمها.
كانت المرأة عبر العصور تعتبر لا شيء أو متاعا يورث أو هدية توهب، بل كانت توأد وليدة حتى كرمها الإسلام الذي جعل الرفق منهج الحياة، فكرمت المرأة على نحو غير مسبوق؛ عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ” (رواه مسلم).
لكن الانحطاط الذي لحق حكم المسلمين ومس جميع مناحي حياتهم ألقى بظلاله على وضعية المرأة والرجل على حد سواء، وكلما ازداد الانحطاط ازداد العنف واستشرى وتفاقم، حتى بات عنوانا للأزمات.
الجديد اليوم أن العنف تطور من حيث المفهوم والشكل؛ تطورت أسبابه وتداعياته وآثاره؛ لم نعد اليوم نتحدث عن العنف الجسدي فقط بل أصبحنا نتحدث عن العنف الاقتصادي والسياسي والقانوني والاجتماعي والإعلامي..
هذا العنف متعدد المظاهر يتغذى على ضعف الإرادة السياسية، إن لم نقل غيابها، وعلى القصور القانوني، وتراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة..
عنف يتغذى على امتهان الكرامة، وسوء توزيع الثروة، وغياب العدالة الاجتماعية، وانتشار الفقر والهشاشة..
أمس القريب مات عدد من نسائنا على معبر سبتة من أجل لقمة عيش، وعدد آخر منهن في الصويرة من أجل كيس دقيق، وفي الطريق إلى الضيعات في وسائل نقل مهترئة.. وتستمر الليبرالية المتوحشة في استعمال المرأة من أجل تحقيق ربح أكبر. لقد فاق العنف اليوم كل التصورات.
لم يعد العنف هو ذاك المفهوم المرتبط بسوء الطبع الذي يمارس خلسة، بل أصبح ظاهرة عامة تمارس على مرأى ومسمع من المجتمع، وتلك طامة كبرى، توحي بأن العنف أصبح ثقافة رسخت في الممارسة اليومية للمجتمع طوعا أو قسرا.
اليوم نحن أمام أرقام مخيفة للمندوبية السامية للتخطيط، وحسب آخر تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي جاء فيه أنه مايعادل 62،28% من النساء المغربيات يتعرضن للعنف، والأخطر من ذلك ما جاء في التقرير أيضا أن ذلك يحظى بنوع من القبول الاجتماعي القائم على الإفلات من العقاب الذي يستفيد منه المتورطون. مع العلم أن هذا التقرير لا يشمل كل مظاهر العنف، ناهيك عن صمت أغلب النساء على ما يتعرضن له من عنف، هذا رغم ما يعلن عنه المغرب من مبادرات وفاء لالتزاماته.
وقد تبين من خلال البحث الوطني الثاني حول العنف ضد النساء الذي امتد ما بين يناير ومارس لسنة 2019 والذي شمل جميع الجهات على عينة من النساء ما بين 18 و64 سنة تنامي انتشار ظاهرة العنف بنسبة 54,4%، خاصة في الوسط الحضري حيث بلغت النسبة 55,8% في حين بلغت النسبة في العالم القروي 51,6%، وتشكل المرحلة ما بين 25 و29 سنة النسبة الأكبر من المعنفات.
كما سجل البحث ظهور أنواع جديدة من العنف الذي تتعرض له النساء كالعنف الإلكتروني وغيره. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن فعاليات المجتمع المدني التي تشتغل ميدانيا سجلت تنامي هذه الظاهرة خلال فترة الحجر الصحي وحالة الطوارئ.
إن هذا الوضع الكارثي لا يمكن تجاوزه ما لم نضع قضية العنف عموما، والعنف ضد النساء على وجه الخصوص، في سياقها العام وألا نعزلها عن قضايا المجتمع الأخرى المترابطة، وأن نضع مقاربة شمولية موضوعية ومتوازنة، بدل التركيز على المقاربة القانونية رغم أهميتها.
وأن نعمل على:
– بث روح تكريم الإنسان، الذي كرمه الله تعالى، بغض النظر عن جنسه أو لونه أو شكله، وأن نتعامل مع المرأة كإنسان كامل الأهلية والحقوق.
– ترسيخ ثقافة الرفق التي هي من صميم شرعنا الحنيف، عبر التربية ثم التربية ثم التربية؛ في البيت وفي المدرسة والمسجد وعبر وسائل الإعلام..
– محاربة كل أشكال الظلم والفساد والاستبداد، فإذا حل العدل تحسنت أخلاق الناس وتمسكوا بقيمها، فقد روي أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه حين قيل له أن الناس قد تمردت وساءت أخلاقها ولا يقومها إلا السوط قال: كذبتم بل يقومها العدل.
أسأل الله أن يحفظ نساء الأمة ورجالها، وأن يرفع عنا جميعا الظلم والعسف.