قضية عمر محب والتدافع الذي كتبه الله على الناس

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين (سورة البقرة ،الآية 249).
التدافع بين الناس يقتضي وجود طرفين؛ كل منهما في مقابل الآخر، سنّة كتبها الله على الناس حتى تقوم الساعة، وليس لأحد أن يطفئها أو يطمسها لتخلو له السّاحة مهما حاول ذلك سنّة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا (سورة الأحزاب، الآية 62).
هذا التدافع الذي كتبه الله على بني البشر وجعله سنّة مطردة في خلقه منذ نشأته، حتى لا تفسد الأرض فيُظلم فيها، وتسفك فيها الدماء، ويأكل القوي حق الضعيف، ويصبح المنكر معروفا، والمعروف منكرا، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك” (شرح النووي على مسلم، كتاب الإمارة، رقم 1920). طائفة من المؤمنين على اختلاف مشاربهم؛ فقهاء وعلماء ومحدثين ومفسرين وزهّاد وآمرين بالمعروف ناهين عن المنكر.. وكل أهل الخير، هذه الطائفة التي جعل الله أصحابها أوتادا للخير في الأرض يرزق بها الناس ويعمهم فضله، حيث عبادته باقية والحق صادع والمنكر مُحارب، وإلا عمّت البلوى وغضب الله على الجميع، وهذا معلوم من الدين بالضرورة، والأمثلة في القرآن الكريم كثيرة على عذاب أقوام لم يتناهوا عن منكر فعلوه.
والشاهد عندنا في ما ذكرت، هل يظن من سجنوا عمر محب لعشر سنوات ظلما وزورا قضاها حجة على ظلمهم واستبدادهم أنهم سيغيّرون من سنّة الله في الأرض؟ وأنهم سيُسكِتون الأصوات الحرة الصادعة بالحق؟ وأنهم سيطفئون جذوة الإيمان في قلوب علمت وتيقنت أنّ اليوم عمل وغدا حساب، فسارعت إلى ربّها ملبيّة مستعجلة لأنّ المنيّة قد تأتي على حين غرّة، ليخلو لهم الجو ويعيثوا في الأرض فسادا كما يشاءون، ويأكلوا أموال الناس بالباطل؟ فعمر محب، وأمثاله من الصادعين بالحق الثابتين على الطريق، يعلمون يقينا أنّ جلاديهم لن يضرّوهم إلا أذى لن يضروكم إلا أذى (سورة، آل عمران، الآية 111) كما أخبر المولى عزّ وجل في كتابه العزيز المؤمنين الصادقين؛ أذى لن يبلغ حدّ الاستئصال والقضاء على دعوة الله، وأنّى لهم وقد أخبر الصادق الأمين أن طائفة الحق ستبقى ظاهرة حتى يأتي الله بأمره، وهي سنّة ماضية لا تعرف التحويل ولا التغيير.
عبثا تحاولون، ووهما توهمون أنفسكم أنّ لكم الغلبة، والتاريخ يعلمكم لو كنتم تعلمون، أن الحق يعلو ولا يعلى عليه، فمهما تجبر الظلم وطغى، ومهما أحكم قبضته بالحديد والنار، ومهما ظن أنه الأقوى، يأتي الله بأناس مثل عمر محب وأسرته المجاهدة ليظهروا عورتكم، وليقولوا لكم أن القوة هي قوة الإيمان، هي قوة الصمود في وجه الطغيان، هي قوّة التمسك بالحق، هي المعية الصادقة مع الله والمومنين، قوّة لا تنهزم، تتغذى بذكر الله و بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبصحبة كتاب الله قراءة وحفظا وتدبرا.
ولا يسعني إلا أن أختم بتهنئة أخي عمر محب دخوله المدرسة اليوسفية وتخرجه منها بوسام الصبر والاحتساب عند الله، والله لا يضيع أجر الصابرين حيث يوفون أجورهم بغير حساب، صبر على درب إحقاق الحق، وإظهار الباطل، والأخذ بكل الأسباب في سبيل ذلك، لا صبر خنوع واتكال ودروشة.