ذة. حبيبة حمداوي: محب وعائلته قدموا أبهى صور ثبات الجماعة في وجه الظلم

استقى موقع مومنات.نت تصريحا من الأستاذة حبيبة حمداوي، مسؤولة الهيئة العامة للعمل النسائي بجماعة العدل والإحسان، بمناسبة خروج الأستاذ عمر محب، عضو الجماعة الذي حوكم بتهم ملفقة على خلفية انتمائه للجماعة، وأدى ضريبة انتمائه 10 سنوات من السجن ظلما وبهتانا. هذا نص التصريح:
ماذا جنى المستبد من سجن “عمر محب”؟ هكذا أردت أن أطرح السؤال بهذه المناسبة؛ مناسبة خروج الأستاذ عمر محب من السجن، بعد انقضاء مدة محكوميته التي امتدت عقدا من الزمن ظلما وعدوانا. أقول له ولأسرته ومحبيه: حمدا لله على سلامتك، دخلتَ السجن مرفوع الرأس قويا، وخرجت منه قويا، فتعسا للظالمين.
وبهذه المناسبة أستدعي قولة من التاريخ متوافقة مع قضيتنا هاته، وهي للإمام ابن تيمية رضي الله عنه قال فيها: “ما يصنع أعدائي بي، أنا جنتي في قلبي وبستاني في صدري، أين رحت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدتي سياحة”.
هكذا يكون العظماء الذين يصنعون مجد الأمة، فالسجن قد يغير الأحوال والتوجهات والقناعات والمبادئ وحتى الطموحات والآمال، ولكنه بالنسبة للعظماء مدرسة يوسفية، تلقن القوة والشهامة وصلابة الموقف والصدع بالحق. فسيدنا يوسف عليه السلام كان سجنه منحة؛ خلصه من بلاء الفتنة وفتح له بابا عظيما من أبواب الدعوة إلى الله تعالى، فصدق فيه قول الله جل جلاله: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (البقرة، 216).
والمتتبع للمشهد السياسي المغربي لا يجد صعوبة في فهم ما يقع، فبروز الجماعة كقوة مجتمعية وسياسية، وما تميزت به من قول كلمة الحق والاصطفاف مع المستضعفين ونصرتهم، ليؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن قضية الأستاذ عمر محب هي قضية دعوة العدل والإحسان؛ قضية أمة انتقضت حرمتها، وهو رمز لمستضعف طامح للكرامة والحرية.
العدل والإحسان جماعة مجاهدة، تعتبر ملاذا أخلاقيا وسياسيا للطامحين للعزة والكرامة والحرية، تدعو لإحياء الإيمان في القلوب، وتحمل رسالة إقامة العدل ورفع الظلم عن الأمة.
وقضية الأستاذ عمر محب هي قضية جماعة تتعرض يوما عن يوم لحملات مسعورة، وتضييقات أصبحت داء مزمنا، ومتابعات للأطر والرموز باختلاق ملفات مفبركة تفتقد لأدنى مستوى من النزاهة والمصداقية، ولم يستوعب المخزن بالرغم من كل سوابقه معها أن الجماعة لا ولن تتنازل عن دعوتها أو تنكص عن طريقها أو تتراجع عن مبادئها، وتسديد الضربات المتتالية لكسر شوكتها لن ينفع معها، بل يزيدها يقينا في صحة اختياراتها وصلابة في الصمود والثبات على مواقفها، فهيهات هيهات أن يحالف بطن الراحة الشعر.
والتفاتة متأنية لأسرة محب، تبين ما جسدته المحامية المقتدرة والناشطة الحقوقية الأستاذة خديجة سيف الدين، زوجة الأخ محب، من القوة والثبات في أبهى صوره، فلم تركن يوما إلى حال الشاكية الباكية من جراء ما لحقها من ظلم في حق زوجها، بل أدركت حقيقة الاستبداد وتعسفه المبني على التزوير والمسنود بقضاء غير مستقل. لقد تحملت القضية بكل أبعادها، ورافعت من أجلها بكل قوة، وأعطت رسالة الصمود ورسوخ المبدأ والثبات على الحق، واختارت لنفسها أن تندرج في عداد المشاركات في التغيير والصانعات للمستقبل، فاقتحمت عقبات وعقبات أهمها جهاد العلم الذي أثمر عن نيل الدكتوراه، وهي المتخصصة في العلوم السياسية والقانون الدولي، فما فتئت تقول بصوت عال أن الحياة استمرارية في زحمة الضيق مهما كان، والحياة طبعا لن تقف عند الابتلاء، وتقلبت بين الصبر والشكر راضية بقدر الله.
وأختم قولي بحديث لرسول الله عليه أزكى الصلاة والسلام في رواية للإمام مسلم عن صهيب رضي الله عنه: “عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ”. فما أحوجنا إلى الاستعصام بالله تعالى في الشدائد، قال تعالى: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (النمل، 62).
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.