ذة. الرياضي: العرقلة أمام مستقبل هذا الشعب هو المخزن والنضال يجب أن يكون ضد سياساته

نظمت جماعة العدل والإحسان بالدار البيضاء ندوة رقمية، بثتها مساء اليوم السبت 10 أكتوبر 2020 قناة الشاهد الإلكترونية، تحت عنوان “سنة على وباء كورونا .. نظرات في التدبير السياسي للجائحة”، أوضح الأستاذ محمد إبراهيمي، مسير الندوة، الهدف منها؛ وهو “تقييم التدبير السياسي الرسمي للجائحة بعد مرور ما يكفي من الوقت من أجل ذلك”، حيث ذكّر بالارتجالية في التدبير التي صاحبت الظهور الفجائي للجائحة، معتبرا الأمر مقبولا كبداية، لكن ومع مرور الشهور “أصبحت السياسات العمومية للمدبر السياسي على المحك وفي محل المساءلة”، يقول إبراهيمي، ويضيف أنه “في المغرب المنهكة قطاعاته بشهادة جميع المتدخلين في إدارة شؤون البلد عرت فجائية الجائحة واقعا هشا يصعب تداركه وزادته هشاشة وسوءا”. وقد تناول المسير رفقة ضيوفه الموضوع عبر ثلاثة محاور:
المحور الأول: كورونا خلاصة سنة على ظهور الوباء
المحور الثاني: نظرات في التدبير السياسي الرسمي للجائحة
المحور الثالث: الآثار المستقبلية للوباء على المغرب واقتراحات لتخفيفها
واستضاف إبراهيمي لمناقشة الموضوع نخبة من المهتمين بالشأن السياسي والحقوقي في المغرب، هم:
الأستاذة خديجة الرياضي؛ الناشطة الحقوقية والسياسية.
الأستاذ عبد الرزاق بوغنبور؛ الرئيس السابق للعصبة المغربية لحقوق الإنسان.
محمد بن مسعود؛ الفاعل النقابي والسياسي وأستاذ التعليم العالي.
والصحفي رشيد البلغيتي.
وسيتناول التقرير الذي بين أيدينا ما تفضلت به الفاعلة الحقوقية خديجة الرياضي خلال مداخلاتها في هذه الندوة.
في المحور الأول؛ المخصص لجمع خلاصات واستنتاجات حول التدبير السياسي للجائحة، سجلت الرياضي “تضاربا كبيرا في التقييم وفي تعريف الوباء وتتبعه وطبيعته ومصدره.. في كلام الخبراء والأطباء والمتخصصين، ومنظمة الصحة بنفسها كانت متخبطة حيث أدلت بتصريحات في البداية ثم غيرتها فيما بعد، فيما يخص طرق الوقاية وخطر الوباء والعديد من الأمور”.
على مستوى آخر، تحدثت الرياضي عن أمور فضحتها الجائحة، وهي أمور جديدة وقوية حسب رأيها؛ إذ “لمحاصرة الوباء التجأت أغلبية الدول إلى الحجر الصحي، واللجوء إليه كوسيلة للحد من الوباء أسميه آلية “قروسطية” للوقاية من الوباء، وسبب ذلك أن هذه الدول خاصة تلك التي تسمى دولا عظمى وكبرى وقوية انهارت تنظيماتها الصحية أمام هذا الوباء. واللجوء إلى الحجر الصحي أظهر أن هذه القوة كانت زائفة، وأن هذه الدول لا تستطيع حماية مواطنيها من المرض”. وذهبت إلى كون أن هذا أهم درس يمكن استنتاجه.
وفي نفس المحور، كشفت الرياضي أن الجائحة فضحت “السياسات النيوليبرالية التي أهملت الإنسان وأهملت الصحة وأهملت كل القطاعات الاجتماعية مقابل أولويات أخرى، وبينت أن هذه السياسات إجرامية في حق الشعوب والمواطنين”.
وأظهرت الجائحة أيضا، وفق الرياضي، “زيف التكتلات، وكيف كانت قبل الجائحة لتنهار مع ظهورها وتسعى الدول إلى قرصنة وسائل الوقاية والأدوية، وتحولت هذه التكتلات والتعاون إلى منافسة شديدة بأساليب لا أخلاقية”.
ومما عرته الجائحة أيضا، تقول الرياضي: “جشع الامبريالية”، حيث “بينت العديد من التقارير منها تقرير أوكسفام أنه في ظل هذه الجائحة اغتنى مليارديرات العالم بشكل كبير بسبب استغلالهم لظروف الجائحة، في الوقت الذي تعاني الشعوب الآلام والآهات جراء الأوبئة ولا يجدون الحد الأدنى للاستشفاء”.
وأضافت الرياضي جانبا آخر اعتبرته مهما رغم أنه لا يدخل في التدبير السياسي فضحته الجائحة ويخص الطبيعة، “فنمط الحياة الذي فرضته القوى العظمى في العالم أدى إلى جرائم ضد الطبيعة والبيئة، والذي تبين من خلال الحجر الصحي كيف تعافت بسرعة كبيرة منه”.
وفي المحور الثاني الموسوم بـ”نظرات في التدبير السياسي الرسمي للجائحة” أوضحت الرياضي أنه “في البداية كان هناك خوف من الوباء والمرض والخوف من غياب المعلومة والخوف المستقبلي وهو ما جعل العديد من الناس يتقبلون تغير سياسة الدولة، والإجهاز الكبير على حريات أساسية” بدعوى “أن هذا ما يجب فعله، وأن ما فعلته الدولة لم يكن ممكنا أن تفعل غيره”.
واستدركت قائلة أن “العديد من الناس، خصوصا المدافعين عن حقوق الإنسان، رفضوا العديد من جوانب هذه الإجراءات ونتائجها، والعديد من القرارات التي كانت لها تبعات خطيرة جدا على الحقوق والحريات بشكل عام وليس فقط على حرية الرأي والتعبير “.
وانطلقت الرياضي في كشف هذه الإجراءات التي مست الحقوق منذ بداية الجائحة، حين أعلنت الدولة عن “قانون الطوارئ، والإجراءات التي اتخذت في ظله بشكل تعسفي وخارج إطار الدستور والقوانين، وهذه في حد ذاتها مسألة خطيرة جدا، الشيء الذي جعل الدولة كلها مختزلة في الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية التي أصبحت تدبر البلاد، وأصبحت كل المؤسسات الأخرى لا دور لها ولا كلمة ولا قرار في التدبير، أما المجتمع المدني والأحزاب السياسية فحدث ولا حرج. فأصبح الاستبداد أقوى وأشد وأوضح للعيان في كل المجالات”.
وأفشت الرياضي أن “العديد من الحقوقيين والحقوقيات والعديد من الناس الذين يدافعون عن الحرية والديمقراطية رفضوا رفضا باتا الطريقة التي حاولت عبرها الدولة تنفيذ حالة الطوارئ والحجر الصحي؛ الإهانات والضرب والاعتقالات وعدم إيجاد الحلول، وحتى الإدارة لم تكن قادرة على تنفيذ الإجراءات التي اتخذتها الدولة، فرأينا كيف كان يتجمع الناس أمام الإدارات من أجل الحصول على الرخصة..”.
واسترسلت الرياضي مجلية “قضايا بينت الضرب الكبير للحقوق الأساسية”؛ مستشهدة بمثال قضية العالقين التي كانت “كارثة وعارا على جبين الدولة، ما مورس على آلاف المواطنين المغاربة الذين تركوا لحالهم في ظروف لا إنسانية، ومنهم من انتحر ونساء أجهضن ووقعت العديد من المآسي لهم بقرار لم تتخذ معه إجراءات مواكبة، تم إغلاق الحدود دون أن يتم التفكير في الناس الذي بقوا لأسباب متعددة خارج الوطن”.
وهناك أيضا الاعتقالات الواسعة التي سجلت في هذه الفترة، تقول الرياضي، “والدولة المغربية سجلت من طرف المندوبية السامية لحقوق الإنسان من بين الدول القليلة التي انتُقدت في استغلال هذه الجائحة للإجهاز على الحقوق والحريات وضرب حقوق الإنسان والتزاماتها في هذا المجال”.
وشددت الفاعلة الحقوقية أننا “لا زلنا نرى التبعات التي تستمر إلى اليوم من استغلال الجائحة للمزيد من التضييق والقمع والاستبداد”.
وتطرقت أيضا لمسألة الحق في المعلومة، فحتى مسألة صندوق الكوفيد الذي أنشئ في البداية حين بدأت الانتقادات حول طريقة تدبيره تمت إزالة أي معلومة بخصوصه من الموقع؛ كم هي منحه وإلى أين تذهب وكيف يدبر.. “ليصبح مثل الصناديق السوداء التي كانت وما زالت الحركة الديمقراطية تطالب بجعل حد لسياستها”.
وانتقدت الرياضي كذلك تدبير الدولة لقطاع التعليم، فـ”تدبير التعليم عن بعد أجهز على حقوق الأغلبية الساحقة من أبناء الفقراء في التعلم ومتابعة الدروس”.
وبينت أن “الدولة تبنت السياسات النيوليبرالية بشكل أعمى منذ الثمانينات، وأجهزت على البنية التحتية للصحة بالأساس، وقلصت الميزانية بشكل كبير، ورأينا كيف أن الدولة لم تستطيع أن تدبر رعاية المرضى والمصابين في هذه الفترة”.
ولأن الوقت لم يسعفها ختمت الرياضي تدخلها في هذا المحور بالقول إن “هناك أيضا مسألة حقوق النساء، والعديد من الجوانب الأخرى التي بينت أن الإجراءات التي اتخذتها الدولة لم تكن في مستوى الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان”.
وجوابا عن سؤال حول اختفاء الفاعل الحزبي والبرلماني والحكومي والمنتخبين خصوصا في بداية الجائحة صرحت الرياضي: “كما أن طريقة تدبير الجائحة أبرزت أكثر الأوضاع التي تنتهك فيها حقوق الإنسان، فقد أبرزت أكثر أيضا الواقع السياسي، القائم على هيمنة فاعل أو جهات في النسق السياسي السائد على كافة المؤسسات والهيئات، فهناك جهة التي هي المؤسسة الملكية ومحيطها والأجهزة الأمنية المحيطة بها هي الفاعل الأساسي والرئيسي في الساحة السياسية، فالمؤسسات الموجودة، سواء الحكومة أو البرلمان.. هي مؤسسات شكلية، لا تتمتع بصلاحيات كبيرة، وتقتصر صلاحياته على الأوراق أما على مستوى الواقع فلا كلمة ولا دور لها.. وفي تدبير الجائحة بقي فاعل واحد هو وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية، وطبعا أوامرهم لا يأخذونها من البرلمان أو المؤسسات أو الجهات التي يفترض أن تمثل الشعب، وهو ما جعل الانتهاكات وقمع الحريات في هذه الفترة يتزايد”، وساقت مثالا لذلك اعتقال الصحفي أحمد الريسوني، موضحة أن أحد أسباب هذا الاعتقال انتقاده بشده في مقال هذه الاعتقالات، حيث قال إن عدد متابعات المدونين تجاوز عدد اختبارات الكوفيد. لتعود للتأكيد أنه “كان هناك استغلال مقيت للجائحة للمزيد من الاستبداد والاستغلال والهيمنة والانتقام من الفاعلين الآخرين خاصة المدافعين؛ صحافيين، ونشيطين، ومحتجين في الحركات الاجتماعية”.
وأضافت الرياضي أن الإقصاء التام للفاعلين الآخرين ليس الغرض منه اللحظة فقط، ولكن الأجهزة الحاكمة تستغلها للمزيد من السيطرة من أجل المستقبل، فالجائحة، على حد تعبير الرياضي، “جعلت خطاب مناهضة العولمة سائدا، فأصبح الكل ينادي بتقوية القطاع العمومي وتدخل الدولة وتقوية المنتوج الوطني.. وهي خطابات كانت سائدة فقط عند فئة المناضلين وحركات النضال ضد العولمة، فأصبح الكل يعتبر أن الجائحة ستفضي إلى مرحلة جديدة سمتها الأساس الاقتناع بأن مسار العولمة الذي انتهجته القوى المسيطرة في العالم ليس صحيحا، وأنه سيتشكل وعي بهذا الأمر، في الوقت الذي حتى أثناء الجائحة كان الصراع مستمرا وعلى أشده، وكما أن الطبقة العاملة تصارع من أجل العيش والكرامة والحماية من المرض والأجر.. نرى كيف تشتغل الطبقات السائدة كي تصبح أقوى وأكثر سيطرة وسلطة”، لتخلص إلى أن هذا “الإقصاء مقصود ويدخل في إطار سياسة الإعداد لمرحلة ما بعد كورونا، لتجد القوى المسيطرة والمتحكمة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية وغيرها نفسها أقوى”.
وفي كلمة أخيرة حول الآثار المستقبلية للوباء على المغرب، أفصحت الرياضي عن كون “المستقبل رهين بالحاضر”، وأضافت “كان الناس يظنون أن الأمور ستتحسن من تلقاء نفسها لأن الجائحة فضحت الكثير، والثغرات والأخطاء التي ارتكبت واضحة، وبالتالي فالحلول أيضا واضحة”. لتعقب على هذا الرأي بالقول: “طبعا الأمر ليس بهذه السهولة، ويظهر أن المسار مسار صراع دائم ومستمر ويحتد، وهذه الجائحة بينت أن الصراع أكثر حدة وسيكون أكثر في المستقبل، وبالتالي فأمامنا تحديات كثيرة. وأنا لا أعتقد أن المخزن في وضعيته الحالية ذكي وقوي، لأن السلطة التي تتصارع مع شباب يغنون الراب وتزج بهم في السجون أو امرأة بسيطة تقول إن الوباء غير موجود ويتم الزج بها في السجون.. الدولة التي يصدر عنها هذا النوع من الممارسات، وتزج بكل من تكلم في السجن، هي دولة ضعيفة جدا وخائفة جدا، وتظهر بمظهر الدولة القوية المتجبرة لأنه في المقابل ليس هناك قوى قادرة على فضح هذه الممارسات والوقوف ضد هذا الجبروت، لذلك أعتقد أن العرقلة أمام مستقبل هذا الشعب هو المخزن، والنضال يجب أن يكون ضد سياساته، ويلزم فضحه وإسقاطه من أجل تحقيق تنمية حقيقية وتطور البلد والمساواة بين المواطنين وديمقراطية حقيقية”، لتؤكد أن تكاثف “القوى في هذه الجبهة ونضالها ضد أساس المشكل هو الكفيل بإيجاد التغيير الحقيقي لهذا البلد”.
ندوة مباشرة تحت عنوان : "سنة على وباء كورونا .. نظرات في التدبير السياسي للجائحة".ندوة مباشرة تحت عنوان : "سنة على وباء كورونا .. نظرات في التدبير السياسي للجائحة".
Geplaatst door قناة الشاهد – Chahed.Tv op Zaterdag 10 oktober 2020