دور الأسرة في تلبية حاجيات مراحل نمو الطفل (2)

المرحلة الثالثة: الطفولة المبكرة (من ثلاث إلى ست سنوات)
– تعلیم الطفل معرفة الله والأحكام: على الأبوين تعلیم الطفل معرفة الله تعالى والأحكام الشرعیة. من الأمور المھمة التي يجب أن يتعلمھا الطفل في ھذه المرحلة، والتي تعطیه الأمل في الحیاة الاجتماعیة والدينیة؛ معرفة الخلق والخالق، والحلال والحرام، وغیر ذلك من المسائل الضرورية والتي تتناسب مع سنه وعقله، وأن تكون بالتسلسل والتدرج ودون إكراه وعنف.. وقد أثبت علم النفس الحديث صحة ھذا التعليم، والطفل في ھذه المرحلة يكون مقلداً لوالديه في كل شيء بما فیھا الإيمان بالله تعالى، والالتزام بالأحكام الشرعیة والأخلاقیة، والطفل بین السنة الثالثة والسادسة يحاول تقلید الأبوين في كل شيء.
– التركیز على حب النبي صلى الله علیه وسلم: قال رسول الله صلى الله علیه وسلم: “أَدِّبُوا أَولَادَكُم على ثَلاثِ خِصَالٍ: حُبِّ نَبِيِّكُم، وَحُبِّ أَهلِ بَيتِهِ، وَقِرَاءَةِ القُرآنِ” (1). وأفضل طريق لتركیز حب النبي وحب أھل بیته ھو الأسلوب القصصي، تجلس مع الطفل في أوقات الفراغ أو قبل النوم وتقص عليه بعض المواقف من حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
– التركیز على قراءة القرآن: “وحق الأمة وحق الرسالة أن تكون الأسرة وامتداد نفوذها وتأثيرها في المدرسة والجامعة قد غذّت الولد منذ صباه الباكر بالقرآن والتوحيد. أول كلمة تفرحين بها تخرج من فم الصبية والصبي لا إله إلا الله. وأول جملة قل هو الله.
ثم يكون القرآن محور العملية التربوية ومورد العلم وجامع العلوم. لاسيما في السنوات التسع الأولى حين يتكون النسيجُ الأساسي للشخصية. هل يستوي في فرص علوق الإيمان بالقلب مَن غذينه بالأغاني رضيعا ومن ألقمنهُ مع ثدي اللبن ثدي التغني بالقرآن؟ قلت: فُرص العلوق. وإلا فالهداية الإلهية والرحمة تصيب من شاء الله كما يشاء الله” (2).
– تعويده على الخیر: كحضور صلاة الجمعة والجماعة، وزيارة الأھل والأحباب. ويشجع الصبیان والغلمان والفتیات على كل حمید من الخلق وجمیل من الأفعال مما يقربھم إلى الله ويبعدھم من غضبه؛ الصلاة، والقرآن، والرحمة بالضعیف، والنظافة، والصدق، والحیاء..
– تدريبه على طاعة الوالدين: إذا لم يتمرن ويتدرب على طاعة الوالدين فإنه لا يتقبل ما يصدر منھما من نصائح وإرشادات ولا يطیعھما. وقیل: “جرأة الولد على والده في صغره، تدعو إلى العقوق في كبره”. وأفضل الوسائل على الطاعة ھو إشعاره بالحب والحنان والتقدير والاحترام من قبل الوالدين. وتقبیل الطفل من أفضل الوسائل لإشعاره بالحب والحنان. قال رسول الله صلى الله علیه وسلم: “أكثروا من قبلة أولادكم، فإن لكم بكل قبلة درجة في الجنة” (3).
– إبداء عناية خاصة ومبرمجة في تربیة الأطفال.
– إعدادھم لیكونوا عناصر فعالة وقوية في المحیط الاجتماعي.
– الإحسان إلى الطفل وتكريمه: والطفل نحترم فيه شخصيته ولا نكسرها، ونعترف بمكانته في الأسرة وفي المجتمع، ونسلط الأضواء عليه ونشعره بأنه ينتمي إلينا وننتمي إليه، ونمدحه على ما ينجزه من أعمال وإن كانت يسيرة، ونتجاوز عن بعض الهفوات، ولا نحمله ما لا يطيق، وهذا له تأثير كبير على جميع جوانب حياته، فيكتمل نموه. روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “رحم الله من أعان ولده على بره” (4).
“تراقب الأم مولودها مراقبة دقيقة بعناية ودراية. المحبة بلا دراية كساعٍ إلى الحرب بلا سلاح. ومن لا دراية له ولا محبة فتوكيله على الأطفال كتوكيل الثعلب على الدجاج. الأطفال في أيدي الخدم كارثة. ومن أنواع الخدَم المأجورين محاضن رِبْحية تغدو الموظفة الكادحة بفلذات كبدها إليها لما ترى من زخرفة الإعلانات ولباس «المربيات» ولُعَب الساحة. من أهم ما تندب إليه المؤمنات أنفسهن إنشاء محاضن تعمل فيها أمهات متطوعات صالحات يُصلح حضورهن ومراقبتهن ومِثالُ إخلاصهن وإشعاع إيمانهن ما تميل الأيدي الأجيرة لإهماله وإفساده” (5).
– التوازن بین اللین والشدة: تكريم الطفل والإحسان إلیه والحب والحنان يجب أن لا يتعدى الحدود المتعارف علیھا، وأن لا يصل إلى درجة الإفراط في كل ذلك، وأن لا يترك له الحرية المطلقة في أن يعمل ما يشاء، أي لا إفراط ولا تفريط، بل أمر بین أمرين، فلا بد من وضع أسلوب معتدل ومتوازن من قبل الوالدين؛ فلا يتساھل كل التساھل، ولا يعنف ويشتد على كل شيء، حتى يجتاز مرحلة الطفولة. وإذا ارتكب الطفل بعض المخالفات السلوكیة، على الأبوين أن يُشعرا الطفل بأضرار ھذه المخالفة ويقنعانه بتركھا بأسلوب جید، فإذا لم ينفع يأتي دور التأديب أو العقاب المعنوي والعاطفي.
– العدالة بین الأطفال: خاصة بین البنت والولد، يجب أن يكون الحب والرعاية والاھتمام بھما متساويا، وأن ينتبه الأبوان إلى ظاھرة الغیرة عند الطفل الأكبر، وأن يعدلا فیما بینھما في المأكل والملبس وشراء اللعب، و… حتى لا تتطور العلاقة بینھما إلى عداء وكراھیة ينعكس أثرھما على النمو النفسي والعاطفي والاجتماعي. قال رسول الله صلى الله علیه وسلم: “اعدلوا بين أولادكم في النحل، كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف” (6). ومن صدق العدالة والمساواة عدم إقامة المقارنة بین الأطفال في صفاتھم الجسمیة والمعنوية والنفسیة، فلا يصح أن يقال: فلان أجمل من فلان، أو فلان أذكى منه أو أكثر خلقا.. لأن ھذا يؤدي إلى الحقد والعداء بینھما .
والعدالة بین الأطفال لا تعني أن لا تتخذ أسلوباً للتشجیع بأن تخصص ھدية إضافیة لمن يعمل عملاً صالحاً، فإن ذلك ضروري لتشجیع الطفل على العمل الصالح وسلوكه، والاھتمام بدراسته وتنظیم أموره المدرسیة والبیتیة، وتحصل أيضاً منافسة فیما بینھما، وعلى الوالدين التعرف على نفسیة أطفالھم والتعامل بحذر ، وابتكار الأسالیب الناجحة مع حالاتھم النفسیة في التشجیع.
– الحرية في اللعب: اللعب استعداد فطري عند الأطفال له أثر نفسي على الطفل إذ ينمي مواھبه وقدراته على الإبداع، ومن خلاله يتحقق النمو النفسي والعقلي والاجتماع.
ويجب أن يكون اللعب سلیماً واللعب سلیمة، لأنھا تترك آثاراً على سلوك الطفل وتصرفاته. وينبغي أن تمنح الحرية للطفل في اللعب واختیار ما يروقه من لُعب دون ضغط أو إكراه مع المراقبة عن بعد. جاء في الأثر: “لاعبه سبعا…”، وكان الحسن والحسین علیھما السلام يركبان ظھر النبي صلى الله علیه وسلم ويقولان: حِل حِل، فیقول صلى الله علیه وسلم: نعم الجمل جملكما.
واللعب مع الأطفال يمنحھم الإحساس بالمكانة المرموقة، وُيدخل علیھم البھجة والسرور، وهو وسیلة لتربیتھم وتعلیمھم اجتماعیاً وخلقیا.
– التربیة الجنسیة وإبعاد الطفل عن الإثارة: وھي من أصعب أنواع التربیة التي تسبب الإحراج للوالدين. فالطفل سواء كان ذكرا أم أنثى يتساءل عن كثیر من الأمور المتعلقة بالجنس، وھذه الأسئلة طبیعیة ولا داعي للمخاوف منھا، بل یجب على الأبوين الإجابة عن جمیع أسئلة الطفل واستفساراته إجابة شافیة وصريحة ومنسجمة مع فھم الطفل وإدراكه، وھناك استفسارات ورغبات عند الطفل يجب أن تُعالج بصورة ھادئة ومرنة.
والطفل في ھذه المرحلة يحاكي سلوك الأبوين ويقلدھما فیعمل ما يعمله أبواه، لذلك وجب الحذر فيما قد يصدر بينهما من الأمور الجنسية. وعلى الأبوين أن يراقبا سلوك أبنائھما وطريقة لعبھم، وخصوصاً في أماكن اختلائھم بعضھم بالبعض الآخر، قال صلى الله علیه وسلم: “فرقوا بین أولادكم في المضاجع إذا بلغوا سبع سنین” (7). وفي وقتنا الحاضر وبعد انتشار أجھزة الإنترنیت والتلفزيون والفیديو والفضائیات والمجلات وصور الخلاعة و… تكون الحاجة ماسة إلى مراقبة الأطفال.
(1) رواه علي بن أبي طالب، نقله الألباني في ضعيف الجامع، وحكم عنه بأنه: ضعيف.
(2) عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ج2، ص 262.
(3) “قبلوا أولادكم فان لكم بكل قبلة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين خمسمائة عام”. روضة الواعظين، 431.
(4) ذكره الديلمي عن علي بن أبي طالب.
(5) تنوير المومنات، م. س. ج2، ص 284.
(6) حديث صحيح رواه الطبراني.
(7) قال الألباني: حسن صحيح.