حق لنا معشر النساء أن نفرح برسول الله ﷺ

الفرح برسول الله من صميم ديننا الحنيف، فهو المنّة العظمى التي أنارت الكون بوجودها؛ لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين (1). هو من عرّفنا الله، وبه محا الله ظلمة العقول والقلوب، وهدانا به إلى خيري الدنيا والآخرة، والصلاة عليه والإكثار منها بركة في الدين والدنيا، في العلم والعمل، في الرزق والأولاد والرحم والخلان وكل ما شئت من أمر دنياك وآخرتك، أمرنا الله أن نصلي عليه ليصلي علينا رحمة من عنده، فهو الرحمة المهداة، عن أبي صالح رحمه الله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يناديهم: يا أيها الناس، إنما أنا رحمة مهداة (2) وصيغة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: اللهم صل على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد، فكان التوجه والطلب من الله أن يصلي عليه، وإنما أرادها سبحانه بلساننا من أجلنا نحن، ليسكن قلبنا، ويُفرج همنا، ويزول ضيقنا، وتنشرح صدورنا، ونزداد يقينا في الله لأنه هو باب الله.
فالصلاة على النبي والإكثار منها صمّام أمان للفرد بما يناله من قرب وهداية وبركة ومحبة وخير، وللجماعة أيضا إذا كانت ذاكرتها الجمعية مُحبّة ومكثرة من الصلاة عليه، بما تناله من نصر ورفعة بين الأمم، ومن غيث وعدل وصد للعدوان والأعداء، ومن علم نافع وبركة في الأرزاق المادية والمعنوية، وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم هم يستغفرون (3)، ما كان الله ليعذبهم وذكره قائم بينهم، وسنته حيّة عندهم، وحبه يملأ الصدور والقلوب، وروحه حاضرة بأنوارها وجلالها وبركتها. نعم إن محبة رسول الله والفرح به صمّام أمان وجبت علينا الدعوة إليها، وحث الناس عليها، وإظهار فضلها وبركتها.
وإذا حق للكائنات أن تفرح برسول الله صلى الله عليه وسلم لكل ما ذكرناه سابقا، فحُق لنا – معشر النساء – أن نفرح به فرحا خاصا؛ لما خصّنا به صلى الله عليه وسلم من رحمة وعناية وفضل، فقد جعل لك يا أخية الإسلام والإيمان موطئ قدم بين الناس بعد أن كنت متاعا من المتاع، ويشهد لذلك قول عمر بن الخطاب في البخاري: كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئاً، فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأين لهنَّ بذلك علينا حقاً.. ورفع قدرك أما؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك (4). وبنتا وزوجة وأختا، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي (5). وجعل لك من الحظ أوفره ومن التكريم أعظمه ومن الحقوق ما يغنيك ويجعل عيشتك هنيئة مريئة في الدنيا والآخرة.
لقد أخرجك من ظلمة الدنيا إلى نور الآخرة، أخرجك من ظلمة نفسك إلى نورانية روحك، رفع قدرك فلم يبق بينك وبين من استعبدك دون وجه حق فرق إلا بالتقوى، وجعل حل أمرك وعقده بيدك، لك الخيار في كل مفصل من مفاصل حياتك، لم يقهرك بأمر كما كنت مقهورة، وحمّلك المسؤولية كما حمّلها لغيرك من المكلّفين اعترافا بإنسانيتك قبل أنوثتك، فآمنْت وصَدَقت الإيمان حتى ضُرب بك المثل للذين آمنوا في القرآن، وكنت أول شهيدة في الإسلام، وكنت من أوائل من بايع على الإيمان، وكنت من بلّغها الله السلام من فوق سبع سموات، وافتخر بحبك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم زوجة من خلال إسماعه الناس أجمعين حبَّه لأمِّ المؤمنين سيدتنا خديجة، وبعدها لأم المؤمنين سيدتنا عائشة رضوان الله عليهن أجمعين.
فضل ما بعده فضل، ولو اجتمعت قوانين الأرض كلها ما أنصفتك كما أنصفك صلى الله عليه وسلم، وحتى نعيش هذا الفضل ونتمثل هذا الخير لا بد أن نتتبع بعض أثره عند أمهات المؤمنين والصحابيات الجليلات اللواتي تربين في حِجر النبوة وغنمن من الحياة أطيبها ليكون الفوز في الجنان بأعظمها وأعلاها. ونحن إن شاء الله على خطاهن نسير تربية وتنظيما وتطلعا للكمال، لا لشيء إلا طلبا لوجه الله والزلفى عنده سبحانه، طمعا أن نحشر تحت لواء سيد البشرية صلى الله عليه وسلم، ومعيّة نرجوها فضلا من الله وتكرما، فذاك كان مبتغاهن ومطلبهن، وذاك ما ينبغي أن يكون مبتغانا ومطلبنا.
وأختم قولي مذكرة نفسي قبل أخواتي بكلمة للأستاذ عبد السلام ياسين: الموقنات بالآخرة والموقنون جادّون لا يعبثون، فهن وهم يحتاطون أن لا تَحبط أعمالهم، فيتقون الله لتودع لهم في سجلات القبول، ثم إنهن وإنهم يتوخون أفضل الأعمال، فيجدون أنها الأعمال المرتبطة بالفروض الجهادية (6).
اللهم صل وسلم على حبيبنا وقرة أعيننا وطب نفوسنا سيدنا محمد سيد الخلق أجمعين.
(1) سورة آل عمران، الآية 164.
(2) رواه الحاكم رحمه الله في المستدرك (1-35) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي. وقال الحافظ الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الصغير والأوسط ورجال البزار رجال الصحيح. قلت: ولفظ الحديث عندهم هكذا: عن أبي هريرة.. “إنما بعثت رحمة مهداة”. انظر مجمع الزوائد (8-257).
(3) سورة الأنفال، الآية 33.
(4) صحيح البخاري / كتاب الأدب / 5626.
(5) جامع الترمذي، كِتَاب الدَّعَوَاتِ، أبوابُ الْمَنَاقِبِ، 3859.
(6) عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، مطبوعات الأفق – الدار البيضاء، ط 1، 1996م، ج 2، ص 19.