بوح وشوق

بسم الله المتفرد بالجمال والجلال والكمال. من إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون، جبر القلوب المنكسرة إليه بجمال جوائزه وعظيم تحفه، ورفع أحبابه إلى موائد أنسه، ودثرهم بدثار محبته، ورفع عنهم حجب جماله، فكساهم من نور قدسيته، وأيدهم بعجيب توفيقه، حتى أشرقت أرواحهم بجميل تجليه، وهامت حبا فيه.
وأصلي على نبينا وحبيبنا وشفيعنا سيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه، حبيب ربنا ومجتباه وصفيه ومصطفاه، من تزينت الأكوان بذكر اسمه، وتضوعت الغبراء فرحا بمولده، وتفتتت الأكباد شوقا إليه، وتهافتت الأرواح ترنو إلى الجلوس في حضرته. الصلاة والسلام عليك يا حبيبي يا رسول الله.
وماذا عسى المشتاق أن يقول في حق حضرة جنابه الشريف سوى أن يبث لوعة الفراق وهي تأكل دواخله من شدة الوجد.
وكيف للفطرة السليمة ألا تحب الحبيب وهو المفتاح لبلوغ الحمى الأقدس والجناب الأنفس. كيف لا نحبك سيدي يا رسول الله وأنت الذي أنست بمحبوبك الأعظم في رحاب قدسه حتى كنت قاب قوسين أو أدنى، ثم سلمت علينا وذكرتنا في موقف مهيب تجلى عليك فيه ربك ذو الجلال والإكرام. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله تعالى وبركاته.. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ولو شئت لدعوت أن أطبق عليهم الأخشبين.
تسجد ما شاء الله لك أن تسجد على بساط حضرة الذات العلية، لله درك سيدي رسول الله كيف استطعت، ثم يأتي العرض الإلهي “سل تعط”.. فيكون الطلب “أمتي أمتي”، ويأتي الجواب “لن نسوءك في أمتك”. أعظم بها من بشارة أن نكون من أمة سيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه!
كيف لا نحبك وقد بلغنا أنك تشتاق إلينا ورفعتنا إلى مقام إخوانك. إخوانك الذين التهبت أشواقهم فيك، ودَّ أحدهم لو فداك بكل ماله على أن يحظى بالنظر إليك، وود الآخر أن يرسل روحه فداء لك، وآخرون حملوا مشاعل التغيير وجلسوا على منابر طالما أوذوا في سبيل إعلاء كلمة الله من خلالها ولم يبالوا..
وكيف يضام من كنت حبيبه وشرب من كأس محبتك ونهل من نور جمالك؟ ما الذي جعل سيدنا أبا بكر يهيم بك حتى لا يلذ له الجلوس إلا بين يديك، بل يتفقدك من خلفك ومن أمامك وعن يمينك وعن شمالك، حتى إذا ما خطوت متقدما كأنما خطوت بقلبه؟ وما الذي انقدح في قلب سيدنا عمر حتى آمن بك غير هياب مخاطر الهجرة إليك؟ وتلك التي امتحنت في حبك فنزل في حقها قرآن يتلى، يجبر غربتها وفراقها للأهل في سبيل لقياك، وذاك الذي تصنع حقه في قصاص فإذا جلده يلمس جلدك كأنما هي تميمة حب زين بها آخر عهده بالدنيا، وعجبا للأنصار وهم يسلمون أرواحهم وقلوبهم وأموالهم لتؤاخي بينهم وبين المهاجرين. ما أجمل حبك في قلوبهم، وما أشد الأمر علينا نحن الذين آمنا بك دون أن نراك. حبك سيدي رسول الله صلوات ربي وسلامه عليك ولادة لقلوبنا، تزكية لنفوسنا، سمو بأرواحنا، مفتاح الله الأعظم للفوز برضاه والدخول في حماه و الجلوس بين يديه جلوس المقربين المحبوبين، جعلني الله وإياكم منهم.
أحبابي الكرام كان هذا بوحا عبر أثير المحبة المنبعث من قلوبكم، نطق به لسان عيي وقلب لا حول له ولا قوة إلا بالله، يرجو القبول والسداد من رب كريم لا حد لكرمه. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.