المرأة الفلسطينية.. نضال مستميت منذ الأزل

من المهم التحدث عن المرأة وإنجازاتها في ظل الصعوبات التِي تواجهها، فإذا كانت المرأة في أي بلد تواجه الصعوبات لتحقيق طموحها، وتصادف عقبات تنتهك حقوقها، فإن حياة المرأة الفلسطينية تعترضها الكثير من المعوقات؛ أبرزها الاحتلال الصهيوني الذي ما زال يمعن في الأرض الفلسطينية بكل الوسائل غير الشرعية.
ففي عام 1967م اعتقلت سلطات الاحتلال أزيد من 15 ألف امرأة فلسطينية، تلتها أكبر حملة اعتقالات جرت خلال الانتفاضة الأولى عام 1987، حيث وصل عدد المعتقلات إلى 3000 امرأة فلسطينية، ليرتفع العدد إلى 9000 امرأة في الفترة بين العام 2000 ونهاية العام 2009، ويستمر الاعتقال ضد نساء فلسطين إلى حد الٱن. ناهيك عن إبعاد النساء عن المسجد الأقصى، فيرابطن بالقرب منه؛ يحرسن أبوابه ويشحذن الهمم..
ورغم كل موجات العنف المكثفة ضدهن، بقيت المرأة الفلسطينية إلى جانب الرجل تدافع عن حقوق وطنها وشعبها؛ تشارك في المظاهرات بكثافة، ومنهن من سقطن شهيدات دفاعا عن الأرض، وفي كل الفعاليات الوطنية ضد المحتل.
بدأ التهمم لدى المرأة في تحرير القدس منذ الأزل، فقد عرف التاريخ نساء عظيمات، قدمن عدة تضحيات في سبيل بيت المقدس، أولاهن امرأة اصطفاها الله على نساء العالمين، كرمها أعظم تكريم، هي مريم بنت عمرٱن عليها السلام، التي قال فيها سبحانه وتعالى: إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [ٱل عمران: 35-36]. كانت أم مريم عاقراً لا تلد، فنذرَت لله إن حملت ولداً لتجعلن ولدها محرراً أي صبياً في خدمة بيت المقدس، وحين وضعت امرأة عمران ابنتها مريم عليها السلام، ووجدت أنها كانت تحمل أنثى في بطنها، أوفت بنذرها وأرسلتها للخدمة فيه.
وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان تهمم النساء بالبيت المقدس حاضرا، والشوق لتلك البقعة المباركة التي حباها الله تعالى وخصها بما لم يخص بها غيرها مستمراً، وأي حبٍ لبيت المقدس هذا الذي عبّر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجاب السيدة ميمونة رضي الله عنها عن زيارة بيت المقدس، فقد روى أبو داود: “عَنْ مَيْمُونَة مَوْلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: أَرْضُ الْمَنْشَرِ، وَالْمَحْشَرِ، ائتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، قَالَتْ: أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ، أَوْ يَأْتِيَهُ قَالَ: فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ، فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيه” (رواه ابن ماجة، والطبراني). في هذا الحديث العظيم وصية للخروج من نطاق الشعور لدائرة العمل والتطبيق، ففيه حث على زيارة بيت المقدس والصلاة فيه، ومن لم يستطع فلا أقل من التعبير عن حبه بإهداء زيت ينير جنباته.
وفي عصر صلاح الدين الأيوبي، كانت أخته تصنع الأدوية والعقاقير، وتوزعها على المرضى والجرحى والجنود. وعصمت الدين خاتون؛ أرملة نور الدين الزنكي، وزوجة صلاح الدين الأيوبي فيما بعد، كانت أكثر النساء تصدقاً في عصرها على المحتاجين والفقراء.
لقد أثبتت الفلسطينيات للعالم، على مر العصور، مواقفهن البطولية، المتمثلة في دورهن المحوري في عملية الجهاد والدفاع عن الأراضي المغتصبة؛ فهناك من أسسن جمعيات خيرية لإيواء الأطفال اليتامى، وهناك من يقمن بمعالجة جرحى النضال الفلسطيني، ومنهن من أنشأن دورا للمسنين ومدارس للأطفال.. وهذه الرعاية الاجتماعية والنفسية كان لها دور مهم في استمرار المقاومة. هذا الجانب الذي ظل محصورا مقتصراً عليها دون الرجل، دفع سلطات الاحتلال الصهيوني إلى نهج سياسات قمعية، تزايدت مع تزايد ضغط المقاومة والفعل الميداني، حيث ارتفع عدد الاعتقالات في صفوف النساء الفلسطينيات بهدف نشر الخوف والرعب وإذلال الشعب الفلسطيني.
لطالما كانت المرأة الفلسطينية أما مكافحة مناضلة مجاهدة، تعتبر أهم واجباتها إعداد جيل ملتزم بتعاليم دينه، عالِم بتاريخ قضيته، واع بما يُخطَّط لأمته من مؤامرات، ليتحرك على بصيرة، تحركًا فاعلاً قادرًا على إعادة بناء أمة الخير التي اصطَفاها اللهُ من بين الأمم.
وكانت الزوجة المحفِّزة لزوجها على الجهاد، ما تقاعست أبداً عن واجباتِها، ولا فرَّطت فيها. كانت صنوة الرجل، فاستطاعت الفلسطينيات إحباط الكثير من مخططات الاحتلال الغاصب، وإعاقتها بصمودهن، فقد عرفن أن ثغرة القدس في أمس الحاجة لهن، فنذرن حياتهن للدفاع عنه، فكن المدافعات عن المسجد الأقصى المبارك.
يدفعهن إلى الاصطفاف في صف المقاومة، وبذل الأنفس والمهج والأموال والأولاد، يقينهن بأن النصر ٱتٍ لا محالة، وأن اللقاء الأعظم والأبدي في أعلى عليين في الجنة، فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء: 69].