افتحوا بيوت الله

لا يخفى ما للمساجد من مكانة عظيمة في البناء الروحي للمجتمع الإسلامي، وارتباط المؤمن والمؤمنة ببيت الله تعالى هو ارتباط بالصلاة، التي هي عماد الدين، في جماعة المؤمنين، مما يعود عليهم أجمعين بفوائد جمة؛ على رأسها التقرب الجماعي إلى الله واستمطار رحماته ابتغاء نيل رضاه وتوفيقه في الحياة إلى ما يحب سبحانه وتعالى ويرضى، زيادة على توطيد أواصر المحبة بين رواد المسجد من المصلين وتمتين العلاقات بينهم، وإذكاء روح التكافل المعنوي والمادي.
ومن الأدوار التي تخولها المواظبة على إعمار بيوت الله، أيضا، التفقه في أمور الدين والدنيا، خاصة يوم الجمعة الذي يعتبر عيدا للمؤمنين، فبإقامة صلاة الجمعة يتلاحم المؤمنون والمؤمنات في دائرة أوسع وأوثق مما يقع في الصلوات الخمس، ولذلك جعل الإسلام حضور صلاة الجمعة واجبا وفرض عين على كل مسلم.. ناهيك عما يوفره بيت الله من سكينة وطمأنينة وتحفيز على الطاعات والقربات.
وبالنظر إلى ما نعيشه مؤخرا من مخلفات الجائحة النفسية والمادية، أصبح من الضروري فتح المساجد، وإقامة صلاة الجمعة، مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية، على غرار كثير من المرافق العمومية التي سُمح لها بممارسة أنشطتها بإجراءات أقل مما تشهده المساجد مع أنها تشهد رواجا أكبر يستغرق اليوم كله.
إن من شأن إعادة إعمار بيوت الله، والاجتماع على أداء شعيرة الصلاة العظيمة، وتقوية الإيمان، وتجديد العهد مع الله تعالى، والتوبة مع التضرع والدعاء الجماعي ليرفع الله عنا هذا البلاء ويردنا إليه ردا جميلا وهو القائل: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ (النمل، 62)، أن يمنح المسلمين الشعور بالأمن والسلام الروحي، ويشع خيرا يلتمس في أفعالهم؛ فيساعد الميسور المحتاج، ويواسي المسلمين بعضهم بعضا..
وفي وقت بدأنا نرى إقبال الناس على بيوت الله، خاصة الشباب، هروبا من حياة اللهو والغفلة عن ربهم الميسرة أسبابها في كل مكان، وجب أن لا يحرموا من ضيافة الله لهم في بيوته؛ بما تمثله من ملاذ روحي وما توفره من سكينة وطمأنينة وشعور بالرحمة الإلهية.
ولهذا فإننا نناشد السلطات أن تستجيب لنداء المواطنين الذين اشتاقوا لحقهم المشروع في أن يُعَمروا المساجد كلها، لا بعضها حتى لا يقع الاكتظاظ الذي يخاف منه، وأن يسعدوا بإقامة صلاة الجمعة التي تحظى بمكانة عظيمة في ديننا الحنيف. وندعوهم لمراجعة مواقفهم التي لا تقوم – في وضعنا الحالي – على سند شرعي ولا دستوري.
وأخشى ما نخشاه، ونحن نرى الأسواق مزدحمة والشوارع عامرة.. وبيوت الله مغلقة، رغم أنها فتحت في دول إسلامية أخرى، بل وفي دول غربية أيضا، أن يكون هذا الأمر مفتعلا ومقصودا، وذلك بالتستر وراء احتياطات الجائحة من أجل إبعاد الناس عن دينهم وإضعاف دور المسجد في حياة المسلمين والتأثير على صلة المسلمين القلبية به.
قال عز من قائل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (البقرة، 113).