قضية المرأة في الغرب من الإصلاح إلى الجنوح

عند الحديث عن قضية المرأة في الغرب يتبادر للذهن عدة أسئلة أذكر منها:
1) لماذا كانت المطالبة بحرية المرأة في الغرب؟
2) هل كانت المرأة مظلومة عند الغرب ومهضومة الحقوق؟ ومن ظلمها؟
للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها لابد من وضع قضية المرأة في الغرب في سياقها التاريخي لمعرفة الأوضاع والظروف التي كان لها دور بارز في ظهور مفهوم تحرير المرأة في الغرب، والتي يمكن حصرها في أمرين رئيسيين:
1) المرأة الغربية في الحضارات القديمة
كانت المرأة الغربية في الحضارات القديمة مسلوبة الحقوق، مفقودة الحرية بحيث كانت تباع وتشترى في الأسواق. وهذه دائرة المعارف البريطانية تصف الحالة السائدة في أثينا ”كان وضع المرأة قد تدهور لدرجة أنها أصبحت بمثابة أمة تلد الأولاد لسيدها، وكان يتم حجز الزوجات داخل بيوتهن، ولم يكن يحصلن على قدر من التعليم، كما لم يكن لهن أية حقوق، ولم يكن أزواجهن يعتبرونهن أفضل من أثاث البيت‟ (1). ونضرب هنا مثالا للفيلسوف أفلاطون الذي كان يأسف لأنه ابن امرأة، وكان يصنف المرأة مع العبيد والأشرار..
2) المرأة في المصادر الدينية الغربية
يؤمن التراث الديني اليهودي المسيحي بعقيدة الخطيئة الأصلية الموروثة (2) التي هي إحدى التعاليم الكبرى وأساس من أساسيات الديانات المحرفة التي ينتمي إليها العالم الغربي اليوم، والذي يرى أن المرأة ينبوع المعاصي، وأصل السيئة والفجور، وأنها للرجل باب من أبواب جهنم، من حيث هي مصدر تحركه وحمله على الآثام، ومنها انبجست المصائب على الإنسانية جمعاء (ɜ).
وقد سادت هذه العقيدة طويلا إلى أن جاءت الثورة الصناعية التي زادت في تفاقم الأمر، فقد تسببت في تفكيك روابط الأسرة، بحيث دفعت المرأة الثمن غاليا من جهدها وكرامتها وحاجتها النفسية والمادية، حيث امتنع الرجل عن الإنفاق عليها مما اضطرها إلى مغادرة بيتها لكسب عيشها ولو بثمن بخس، ”فقد كن يأتين من الأعمال العظيمة ما لا قوام للمدنية بدونه، فلا يوجد فرع من فروع الصناعة والتجارة، ولا علم من العلوم ولا فن من الفنون، إلا والمرأة عاملة فيه مع الرجل كتفا بكتف‟ (4).
وأسفر هذا الوضع المستبد عن قيام الثورة الفرنسية سنة 1789م التي كان شعارها حماية حقوق الفرد في المجتمع، ومن مطالبها رفع الظلم عن المرأة التي عانت منه كثيرا، أكثر من الرجل، وبهذا دخلت المرأة الغربية في طور جديد وأخذت في تثقيف عقلها ونالت حقوقها واحدا بعد الآخر (5). ولكن سرعان ما مالت الأوضاع إلى الجنوح والإفراط والتباعد عن القصد، والذي اشتد في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ”حيث حدثت الحرب العالمية الأولى وقتل الكثير من الشباب الأوروبي مما أدى إلى وجود الملايين من النساء بلا عائل، فتحملت المرأة قسوة المحنة، وكان يجب عليها أن تعمل وإلا هلكت جوعا هي ومن تعول، فاستغلت المصانع حاجتها للعمل، فكانت تمنحها أجرا أقل من أجر الرجل مع اتحاد الإنتاج والجهد المبذول، من هنا قامت ثورة نسائية، لتحطم ظلم أجيال كثيرة في قرون طويلة‟ (6).
”إن فهم المرأة للحرية فهما خاطئا جعلها تتحرر من الدين الذي هو منبع الآداب والأخلاق، وانحرفت خلف تلك الشعارات البراقة، فهجرت المنزل وزاحمت الرجال في جميع الأعمال والأدوار وسمي هذا التحول الاجتماعي ‘تحريرا للمرأة’‟ (7).
ˮتعتبر الحداثة الملحدة القيود الجنسية والأسرة – القيمة الاجتماعية المركزية – انضباطا عفا عليه الزمن. ففي المجتمعات الحديثة الإباحية يعتبر كل انضباط من هذا النوع تدخلا لا يطاق في حرية الأشخاص، بل تزمتا قمعيا لا يناسب عصرا تخلص من إرث الأديان المتشدد‟ (8).
وسميت هذه الحركات التي تطالب بحقوق المرأة بـ”الحركات النسوية‟، لكن تبلور في ستينيات القرن العشرين ما يسمى بالنزعة الأنثوية المتطرفة ˮفيمينيزم‟، والتي تطورت مدارسها وأصبح لها عدة مدارس أغلبها – في نظر العديد من المفكرين والكتاب – تطرفت تطرفا كبيرا، حيث لم تعد تدافع عن حقوق المرأة بقدر ما صارت تتمركز حول الأنثى وتنادي بإقصاء الرجل، والتي حققت انتشارا واسعا في المجتمعات الغربية، وذلك عن طريق نشر الإباحية والانحلال الأخلاقي المتطرف ˮحيث أن نسبة السحاقيات في المنظمة الوطنية للنساء بأمريكا وصل إلى %60. فحرية الشذوذ الجنسي والحرية الجنسية أصبح حقا من حقوق الإنسان يفرضها الغرب على العالم. فالسحاقيات سيطرن على لجنة المرأة في الأمم المتحدة، وتمت بلورة هذه الفلسفة الفوضوية الشاذة في مواثيق دولية يفرضها مشروع الهيمنة الغربية على العالم، ويقوم بعولمتها تحت علم الأمم المتحدة‟ (9).
لقد انتقل هذا الفكر إلى فرنسا عن طريق الفيلسوفة “سيمون ديبوفوار‟ صاحبة القولة ˮالأنثى تولد إنسانا ثم تصنع امرأة‟، وصاحبة كتاب “الجنس الآخر‟؛ الذي يعد الدستور المؤسس للحركة النسوية في العالم، من هنا جاء مفهوم “الجندر‟ النوع الاجتماعي، أي أن إدراك الذات كذكر أو أنثى ليست ثابتة بالولادة، وقد تتغير مع النمو الاجتماعي، أي أن التقسيم الذي يوجد داخل الأسرة يجب أن يتغير، فالجندر دعوة للإباحية وتقويض الأسرة، أي تخليص المرأة من التبعية للذكر، التي في نظرهم ناتجة عن التنشئة الاجتماعية، ودعوة إلى بناء الأسرة اللانمطية “السحاق باعتباره في نظرهم يخلص المرأة من سيطرة الرجل – اللواط..‟.
انتقل الفيمينيزم الغربي إلى الدول الإسلامية عن طريق المغربات، وذلك بتمويل من الصندوق الدولي للأمم المتحدة، وعن طريق الضغط على الحكومات، بحيث أصبح منهم كوادر وصحفيات في الدول الإسلامية. ومن مبادئهم:
– مبدأ تحرير المرأة؛ وذلك بمكافحة كل الضوابط والقيود عن المرأة، بما فيها رفع الولاية عنها.
– دعوة المرأة إلى الخروج للعمل.
– التحرر من كل ضابط أخلاقي حتى تصبح المرأة لعبة في كل المؤسسات التجارية.
– الدعوة إلى المساواة بين الجنسين وذلك بتبني الخطة الوطنية للإدماج، وهي خطة غير وطنية انطلقت من الرغبة في مسايرة مقررات المؤتمرات الدولية مثل مؤتمر بكين وغيره، والتي دعت إلى الاعتراف بالفاحشة وتطبيع ممارستها.
ومن أجل تمرير مبادئهم في هذه المجتمعات ركزوا على الأسرة والكتاب المدرسي، وعلى القوانين التي تخضع لها المرأة؛ مثل تعدد الزوجات والإرث والإجهاض، وتسخير مؤسسات الدولة لترسيخ هذه المبادئ، أذكر على سبيل المثال دمج الصحة الإنجابية في الكتاب المدرسي مثل الأم العازبة، التربية الجنسية للمراهق، المطالبة بحد النسل، المطالبة برفع سن الزواج لدى الفتاة إلى سن الثامنة عشر..
وفي الأخير على المجتمعات الإسلامية التصدي لهذه الأفكار المسمومة، وذلك بالتجديد في قضية المرأة من خلال:
– تصحيح تصوراتنا عن شخصية المرأة ومدى مشاركتها في مجالات الحياة، وذلك بالتأصيل في قضيتها.
– تجديد الدين بالنسبة للرجال والنساء، يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله: ˮإن نساء المسلمين كرجالهم أحوج مايكونون إلى من يعلمهم أمر دينهم ويجدده لهم، وللمرأة كما للرجل حرية الاختيار بين الدنيا وزينتها وبين الله ورسوله والدار الآخرة‟.
– ربط قضية المرأة بمصيرها الأخروي، وأن تكون قضيتها مع ربها أم قضاياها، ومصيرها الأخروي منتهى قصدها وباعثها، وبذلك تدرك أن علاقتها مع الرجل هي علاقة تفاضل وليست علاقة نزاع.
– التجديد في الفقه لكي يساير التحديات العالمية، ويتخلى عن الموروثات القديمة وينسجم مع الواقع الجديد الذي تعيشه المرأة اليوم، ويكون باعثا على تقدمها في ميادين العلم والعمل.
(1) نقلا عن المرأة بين شريعة الإسلام والحضارة الغربية، وحيد الدين خان،، ترجمة سيد الندوي (المصدر: مفهوم تحرير المرأة في الفكر الغربي – دراسة نقدية من إعداد الطالبة ندى عطية بن راشد الزهراني).
(2) موجز هذه العقيدة ˮأن آدم عليه السلام أكل من الشجرة فعاقبه الله بالطرد من الجنة وأسكنه التراب، وظل الجنس البشري يرسف في أغلال تلك الخطيئة أحقابا طويلة حتى أنزل الله ابنه – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- ليصلب فداء للنوع الإنساني، وليبين للناس طريق الخلاص من هذه الخطيئة‟ العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة، سفر الحوالي ص86 (نفس المصدر السابق).
(ɜ) عودة الحجاب، محمد المقدم، (53/2) (نفس المصدر السابق).
(4) تحرير المرأة، قاسم أمين، ص141، (نفس المصدر السابق).
(5) المؤامرة على المرأة المسلمة تاريخ ووثائق، السيد أحمد فرج، ص 70 (نفس المصدر السابق).
(6) موسوعة المرأة المسلمة، صلاح الدين عبد الغني.
(7) المصدر السابق.
(8) الإسلام والحداثة، عبد السلام ياسين، ص 219.
(9) تحرير المرأة بين الغرب والإسلام، محمد عمارة، ص 42.