عالمات من بلاد المغرب

قلما نجد مصدرا مغربيا اهتم بالتأريخ لحياة نساء بارزات، في حين هناك كم هائل من الكتب التي تحدثت عن حياة أفذاذ كُثر من الرجال، عُرفوا في التاريخ المغربي ببطولاتهم وشجاعتهم، أو مواقفهم وسياستهم، أو تبتلهم وكراماتهم. إلا أننا حين ننبش في الذاكرة المغربية أو في الموروث الثقافي نكتشف أنه كما عرف من المغاربة أفذاذ صنعوا التاريخ عرف من النساء أمثالهم، وكما وجد من أبناء المغرب نساك وعباد وحفاظ وعلماء كان لهم الباع الطويل في تربية أجيال من أبناء هذا البلد العزيز، وجد من بنات المغرب شامخات كثيرات. ففي هذا البلد الحبيب وفي تربته نبتت نساء من المغربيات الفاضلات اللواتي برزن كوطنيات وسياسيات حاكمات، وعابدات ناسكات، وعالمات معلمات عاملات. فهلا وقفنا قليلا مع نماذج من هؤلاء الفذات من العالمات، الفقيهات المحدثات لنستقي العبر ونستلهم العظات؟
أمينة غيلان: العالمة المعلمة
لالة غيلانة: هي بنت الفقيه محمد غيلان رحمه الله، اعتنى بها والدها منذ نعومة أظافرها فلقنها القرآن والحديث واللغة العربية والفقه، فأصبحت من عالمات تطوان. عرفت بلقب “لالة غيلانة” (1).
عالمة نساء البلد: كانت من الصالحات القانتات، وعالمة نساء البلد وصالحتهن. تعلمهن أمور دينهن وتفتيهن في شؤونهن.
عالمة نساء البلد وصالحتهن في وقت كانت تضرب فيه الأستر على النساء، حتى خلت منهن بيوت الله ومدارس العلم، تقليدا لزمن بعُد فيه الناس عن المنهاج النبوي الذي جعل المرأة المسلمة في قلب الأحداث فاعلة ومشاركة، حاملة لهمّ الدعوة وناصرة لدين الله، بعد أن ضمن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حقها في حضور المسجد.
عُرفت السيدة غيلانة بتبتلها وتعبدها وانقطاعها عن الأزواج. ترى لم اضطرت هذه العالمة للعزوف عن الزواج؟ لِمَ لمْ تجد سبيلا للتفرغ للعلم غير ذلك؟ وهل كانت النساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تنقطع عن الأزواج للتبتل والقنوت؟ أم كُن أزواجا وأي أزواج!؟ ترى إحداهن تعلف الفرس وتحلب الشاة وتطحن وتعجن وتقوم على خدمة الزوج، تتزين وتتودد، وترعى الأبناء حبا وكرامة، ومع ذلك تراها قانتة متبتلة، قائمة صائمة. ألم يخبرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن من كمال سنته الزواج؟
أم أن هذه الفذة وغيرها كثيرات ورثن هذا عن فقه جائر يحصر دور المرأة في أنوثتها، أو يجردها من تلك الأنوثة لتكون عالمة أو فقيهة، وكأن الجمع بينهما محال؟
توفيت السيدة غيلانة رحمها الله سنة 1189هـ/1775م، ودفنت ببيت من دارها بحومة “المطيمر”، وقد جعل لذلك البيت باب لجهة الشارع. وقبرها مشهور يزار (2).
السيدة عائشة الجيشتيمي: الواعظة المرشدة
دار علم وإرشاد: السيدة عائشة الجيشتيمي بنت الحاج أحمد بن عبد الرحمن الجيشتيمي. وزوج الفقيه سيدي عمر الأكضييي من دار علم وإرشاد (3).
تعليم النساء أساسيات الدين: سيدة فاضلة كبيرة المقام، واعظة مرشدة، وعالية الشأن. نهلت من المعارف الشيء الكثير سواء من الينابيع العربية أو “الشلحية” – هي لهجة أهل سوس في جنوب بلاد المغرب -. ملأت وقتها بالدعوة للصلاح والموعظة النافعة. كانت النساء تأتين إليها فرادى وجماعات يسألنها عن أمور دينهن، وتزورهن في ديارهن (4). كانت كالنجم الثاقب في قبيلة (أمان) وشهد لها جيران قبيلتها أنها فريدة من نوعها.
طلب المعالي: زوجة فاضلة وواعظة متقنة وداعية بارزة، صفات قلما تجتمع في امرأة في عصرهاK ولكنها اجتمعت في هذه المرأة الجليلة كما اجتمعت في صويحباتها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولنا أن نتساءل أكانت هذه النماذج من العالمات وأمثالهن لينلن هذا الحظ من العلم لو لم يكن ذلك على يد الأب العالم والحريص على تعليمهن؟ أما من لم تتح لها هذه الفرصة فكان نصيبها نصيب عامة النساء المسلمات، أن يظللن حبيسات جهلهن وجدران بيوتهن، لتبقى حلق العلم في المساجد والمدارس حكرا على الرجال. أما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تكن مجالس العلم والإيمان ممنوعة على عموم نساء المسلمين، بل كن يحضرنها جنبا إلى جنب مع إخوانهن.
(1) المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي، ص 99.
(2) تاريخ الوراقة المغربية، ص 124.
(3) المعسول، ج 2، ص 294.
(4) معجم أعلام نساء مغربيات، ص 108.