بمناسبة الدخول المدرسي.. ذة. ادويشي: مقاربة الوزارة في التعاطي مع تداعيات الأزمة تتسم بالارتباك الشديد

أجرى موقع مومنات. نت حوارا مع الأستاذة حسناء ادويشى، عضو المكتب القطري لقطاع التعليم التابع للقطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان، حول مستجدات الدخول المدرسي لهذه السنة، المتسم بإعلان تدابير استثنائية فرضتها ظروف الجائحة التي تمر منها البلاد.
تطلعنا في الحوار التالي أستاذة السلك إعدادي على تدابير الدخول المدرسي 2020-2021م، وقراءة للبلاغ الوزاري الصادر بتاريخ 22 غشت الجاري وما تلاه من تصريحات وزارية، وكيف استقبلتها الشغيلة التعليمية، لتختم ببعض الاقتراحات التي من شأنها أن تساهم في إصلاح المنظومة التعليمية في بلدنا المغرب.
هذا نص الحوار.
أستاذة حسناء مرحبا بك. مع بداية كل سنة يطرح سؤال الدخول المدرسي الجديد؛ سؤال التدابير والاستعدادات، في هذه السنة ما جديد الدخول المدرسي 2020-2021م؟
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أشكر لموقعكم حسن الاستضافة وجميل الاهتمام.
كما لا يخفى على أحد فإن التعليم هو شأن مجتمعي وقضية حياة أو موت في مسار الأمم، لذلك يشكل الدخول المدرسي في العادة حدثا معبرا وعيدا مدرسيا له مكانته ورمزيته الخاصة، إذ يعتبر إجماعا مجتمعيا على أهمية العلم والتعليم ودورهما الحاسم والخطير في حياة الأمم والأفراد، وعموما فالدخول المدرسي في كل دولة يشكل مناسبة للاحتفاء بالمتعلمين والمتعلمات، وتكريم المدرسين والمدرسات، وهو أيضا محطة مهمة لتقديم المشاريع والمخططات بعد تقييمها وتجريبها وفق رؤية مستبصرة ومقاربة تشاركية ومناهج ناجعة بهدف تحقيق انتظارات المجتمع وتطلعات الأجيال.
لكن وللأسف فقد تعودنا في منظومتنا التعليمية على انتظار المفاجآت وتوقع الاختلالات، لذلك لم يكن الدخول المدرسي لهذا الموسم نشازا عن سالفيه إلا من حيث ارتفاع حجم الارتباك والتوتر، وتنامي مستويات الإحباط والتذمر، خاصة في سياق تداعيات انتشار الوباء بشكل متزايد، واستفحال الآثار الاقتصادية والاجتماعية على المؤسسات والأفراد، وبروز لغة رسمية وخطابات سياسية توجه أصابع الاتهام كلها إلى المواطن دون غيره وتحمله مسؤولية انتشار الوباء وتلوح برفع كل أشكال الدعم عنه وتهيئه للاستعداد للأيام العجاف وتوقع الأسوأ.. كل ذلك يوحي بأننا سنعيش دخولا مدرسيا وجامعيا على وقع الأزمة والاحتقان، أزمة واحتقان كانا قد تكرسا نتيجة تراكم الملفات المطلبية وتوالي حملات الاستهداف للشغيلة التعليمية، وغياب التعاطي الإيجابي مع الملفات العالقة والمطالب المشروعة، وتغييب الحوار والإشراك الفعال..
أحدث “البلاغ الوزاري” الذي أصدرته الوزارة بتاريخ 22 غشت 2020، والذي اعتبرته “مخططا متكاملا” لتدبير الموسم الدراسي 2020-2021، موجة كبيرة من الانتقادات، وفجر جدلا واسعا في مختلف أوساط المجتمع، ما هي قراءتكم لهذا البلاغ وما عقبه من تصريحات وزارية؟
لا بد أن نشير بداية أنه وفور الإعلان عن ظهور أولى الحالات المصابة بمرض كوفيد 19، اتخذت الوزارة بتاريخ 13 مارس 2020 قرارا يقضي بتوقيف الدراسة الحضورية مع نفي أن يكون الأمر متعلقا بإقرار عطلة مدرسية استثنائية ولا بسنة بيضاء، بقدر ما هو انتقال من تعليم حضوري إلى تعليم عن بعد.
“تعليم عن بعد” تم اعتماده بشكل فوقي وغير تشاركي، وفي ظل غياب شديد لمقومات إنجاح هذا النموذج البيداغوجي؛ بسبب التأخر الفظيع لمنظومتنا في ولوج عالم الرقمية (الرقمنة) والتخلف المريع في إدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال في التعليم رغم المشاريع المتناسلة والميزانيات المتناثرة، وفي غياب التكوين والتأهيل للموارد البشرية، ورغم ذلك أبانت الأطر التربوية والإدارية في عمومها عن حس وطني عال وانخراط جاد ومسؤول، حيث حول العديد من رجال ونساء التعليم بيوتهم إلى فضاءات لتسجيل المحتويات التعليمية، ووظفوا إمكاناتهم الذاتية وتجاربهم الشخصية للتواصل مع متعلميهم ومساعدتهم على التعلم والاكتساب، كما عملت هيئات التأطير والمراقبة على مواكبة الأساتذة وتأطيرهم، واشتغلت هيئات التوجيه على مساعدة المتعلمين على الاختيار وبناء مساراتهم الدراسية، وتجندت الأطر الإدارية لتعبئة الأطر التربوية على إنشاء الأقسام الافتراضية وولوج المنصات الرقمية الرسمية… في وقت اتضح فيه أن الوزارة وهياكلها لا تمتلك خزانات ولا بنكا للموارد الرقمية، ولابدائل ديداكتيكية تنسجم وهذا النوع من التعليم، ولا تكوينا مهنيا لأطرها التربوية قصد تأهيلهم للتعامل الفعال مع نظير هذه الوضعيات، كما تفتقر إلى مرجعيات تشريعية و تنظيمية تضبط العلاقات المهنية وتحدد الالتزامات والمسؤوليات في مثل هذه المناسبات، ومن أمثلة ذلك الأزمة الخانقة التي اندلعت بين مؤسسات التعليم الخصوصي وبين الأسر والتي لا زالت تداعياتها مستفحلة لحد الساعة…
عطفا على سؤالكم بخصوص البلاغ الوزاري وما تلاه من تصريحات وخرجات إعلامية، فإنه لا بد من الإشارة أساسا إلى أن تدخلات الوزارة ومقاربتها التواصلية في التعاطي مع تداعيات الأزمة اتسمت في عمومها بالارتباك وغياب الرؤية والانفراد بالقرار وتغييب الإشراك الحقيقي للفاعلين والشركاء والمعنيين المباشرين..
لذلك لم يكن غريبا أن نجد البلاغ الذي أصدرته الوزارة بخصوص تدبير الدخول المدرسي قد جاء حاملا لشتى صور الارتباك والغموض، عاجزا عن بلورة مواقف واضحة وصريحة، متملصا من مسؤولية القرار، مفضلا سياسة الهروب إلى الإمام والاكتفاء برمي الكرات الحارقة في حجر الأسر ، لتتحمل وحدها مجبرة غير مختارة تبعات قرار يجعلها “كالمستجير من النار بالرمضاء” كما يقول المثل؛ إما أن تدفع أبناءها لتعليم حضوري مع تحمل تبعات خطر التعرض للإصابة أو تحمل مسؤولية توفير وسائل وإمكانات وشروط “تعليم عن بعد” تبين من خلال تجارب السنة الماضية أنه يفتقد إلى الكثير من مقومات النجاعة والفعالية وتغيب فيه مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص بشهادة المسؤولين أنفسهم وبتقارير رسمية موثقة.
ولعل من أفدح ما حمله “البلاغ” أيضا الزج بمتعلمي السنة الأولى باكالوريا في حيرة وضغط شديدين؛ بين انتظار امتحان جهوي ظل معلقا إلى أجل قد يحين وقد لا يحين وبين الاستعداد لاستئناف دروس السنة الثانية باكالوريا.. بعدما أنهكهتم شهور طوال من الاستعداد والضغط والإجهاد.
فكأننا بالوزارة قد فقدت البوصلة وفقدت معها حس المسؤولية واستشعار حجم الضغط والتوتر المسلط على المتعلمين وأسرهم، وكأن شأن التعليم مسألة تقنية ومجرد “لعب عيال” يكفي فيها إصدار القرارات والتلاعب بالمشاعر وتسويق الأوهام…
كيف استقبل رجال ونساء التعليم البلاغات والتصريحات الوزارية الأخيرة؟
يستشف من البلاغات والتصريحات الأخيرة أنها تسعى إلى جعل رجل التعليم الحلقة الأضعف والمنفذ الأخرس؛ فهو مطالب بالتنزيل والتفعيل والانخراط الجاد والبحث عن حلول لكل الإكراهات التي يعج بها واقع الممارسة. وإني لأتساءل مع المتسائلين: كيف يطلب إلى أطر الإدارة والتدريس والشركاء التعبئة والانخراط الفعال لتنزيل تدابير وإجراءات مرتبكة غامضة وغير إجرائية، وهم الذين لم يُسألوا ولم يُستشاروا ولم يُطلب رأيهم ولا مقترحاتهم؟ وما الجدوى من هذا الركام من الوثائق والمذكرات حول انفتاح المؤسسة على الشركاء؟ وما هي الغاية من استحداث هذه البنيات من مجالس المؤسسة ومشروع المؤسسة والمقاربة التشاركية؟ وكيف نطلب من الناس الانخراط في قرارات لم يتم إشراكهم فيها منذ البداية؟
فماذا تقترحون، إذن، أمام هذا الوضع الذي وسمتموه بـ”المتخبط”؟
قلنا وما زلنا نكرر أن منظومة التعليم في المغرب كلها أعطاب، ومن قبيل المحال أن نقول أن أي ترقيع حالي سينفع في الوصول بها إلى بر الأمان، التعليم في بلادنا يحتاج إلى تغيير جذري، فقد خاب ظن الغيورين على هذا القطاع بعد انتظار عقود من التخبط المتكرر والاستفراد المقصود في اتخاذ القرارات التي تزيد من إرباك المنظومة ومن تأزم الوضع، فعشوائية هذا الدخول المدرسي تنضاف إلى حلقات سابقة من العبث واللامبالاة، من قبيل التنزيل القسري للقانون الإطار ضدا على إرادة المجتمع ونداءات قواه الحية، والتمكين للغة الفرنسية على حساب اللغات الوطنية، والارتهان في تنزيل البرامج والمناهج لإملاءات المؤسسات وغيرها مما سبق أن أشرنا إليه أكثر من مرة، كل ذلك يجعل هذا القطاع يدور في حلقة مفرغة.
لا زلنا نلح أنه ينبغي التوقف عن العبث والمقامرة بمصير الأجيال وتضييع الفرص وهدر الموارد وتبديد الطاقات في مشاريع لا تجدي نفعا. إننا نعتقد أنه لم يبق متسع من الوقت نبدده في الروغان والإلهاء، وأنه آن الآوان – إن لم يكن قد فات – لنحط الرحال على إصلاح حقيقي يجتث الفساد من الأصول ويمكن لتعليم حقيقي يرقى بنا من أذيال التصنيفات إلى مراتب مشرفة، تعليم يحترم عقل المواطن وطموحه وآماله.