الشباب عماد الوطن

في بلاد خيمت على سمائها سحابة ظلت تمطر آناء الليل وأطراف النهار ظلما واستبدادا وترويعا وتهميشا، لتجرف هذه الأمطار معها هِمم شباب غُيب عندهم وضوح الرؤية وتحديد الأهداف، وهي نتيجة طبيعية وتحصيل حاصل لسنوات من القمع والتجهيل وبيع الوهم لشباب شاخ في العشرين من عمره. العامل الذي يهدر على هذا البلد الكثير من الفرص من أجل النهوض وإيقاظ الإرادات واستنهاض العزائم لكسب رهان التقدم، وهو ما من شأنه تحسين تصنيف ترتيب بلادنا ضمن جداول تراتبية الدول من حيث التعليم والصحة.. والقائمة طويلة بطول الهموم.
حقا عندما تجوب أزقة المدن، التي هي الأخرى لها قصص شتى، سترى شبابا فاقدا للقيم الأصيلة، شباب حاقد على المجتمع. والمجتمع يندب حظه صباح مساء ويتجرع مرارة عجزه على تقديم أبسط الحقوق لمن شاخ قبل أن يعتري الشيب رأسه أو تغزو وجهه تجاعيد السنين، شباب بات لا يكترث لشيء سوى فوز فريقه المفضل في المباراة، شباب أصبح يعيش في وطنه لكن عقله في موطن الأحلام؛ موطن يوفر له أبسط الحقوق التي جعلوا شيوخ العشرين يظنونها أحلاما.
ورغم سحائب الظلم المتكررة التي تحمل شعار “قانون العصا لمن يعصى” فشيوخ العشرين يتميزون بخصائص وسمات سيكولوجية وسوسيولوجية جعلتهم يتحركون بشكل قوي في وجه الاستبداد والظلم والفساد ضمن الحراك الديمقراطي لتحقيق التغيير، لكن هذا الحراك، أو سموه ما شئتم؛ سموه هبَّات شعبية أو انتفاضات اجتماعية أو زلازل سياسية، أدى في بعض الأقطار إلى أسوأ أشكال الارتداد والنكوص نتيجة مكائد أذناب الدولة العميقة ومن يواليها ويدعمها، فعادت الدولة القديمة أشد فتكًا مما كانت عليه وانطبق عليها ما يقوله نجيب محفوظ في روايته (ثرثرة فوق النيل) من كون “الثورة يخطط لها الدهاة وينجزها الشجعان ويغنمها الجبناء”، ففي وطننا العربي كل الآيات معكوسة، لنرى في الأخير وطنا بلا مواطن، وهذا نتاج ذاك.
غير أنه من ألطاف الله تعالى أن ساق لبعض هؤلاء الشباب أياد وقلوب دلتهم على أنه: من هنا الطريق، من هنا البداية، فكانت تلك الكلمة جذوة نور أوهجت في ثناياهم روح النضال والعمل والعطاء دفاعا عن حقوقهم وحقوق أمتهم المستضعفة. لذلك فإن احتضان الشباب هو احتضان ركيزة قوية من شأنها أن تدفع بالبلاد إلى السمو والرفعة، مما يستدعي أن توضع لهم برامج ومخططات خاصة، وأن يتم إدماجهم في كل مجالات العمل، إذ من سمات الشباب الإبداع، كي تُنار طريقهم، ويزاح عنهم وشاح الفشل الذي لزمهم لعقود من الزمن، حيث أصبحت كلمة شباب مرادفة للفشل في الوطن العربي، ومقبرة للطموح، وغذاء لأسماك البحار، وسلعا تباع وتشترى في سوق الشغل الراكدة.
ورغم كل المثبطات نجد لدى الشباب غيرة على الوطن توقظ العزائم المحطمة والإرادات المغيبة لمواجهة مشاكل من كسروا عزائمهم وإراداتهم. رغم أنهم طبلوا ومجدوا للشباب في برامجهم الانتخابية وحقروهم على أرض الواقع، لكن الفطرة السليمة أحيت غيرتهم على الوطن وأيقظت عزائمهم ليتصدروا الصفوف الأمامية أمام كل انكسار كلما لاح في الأفق بصيص أمل.
إن الشباب قوة حقيقية للتغيير وعماد هذا الوطن ومستقبله الواعد، ولأنه يشكل الفئة الأكبر عددا بين فئات المجتمع والثروة الحقيقية له، وجب إيلاؤه عناية خاصة، وجعله في صلب كل المشاريع والمخططات الاستراتيجية للبلاد، في أفق العمل على إنجاح مشروع التغيير الديمقراطي، لأن الشباب رافعة للنهوض بريادة الأوطان. ولا نملك إلا أن نقول لكم شبابنا الأعزاء: دمتم خيرة زاد لأحوج الأوقات.