الرياضي وجرعود تتحدثان عن تردي وضعية العاملات (2): مقارنات ومؤاخذات

أوضحت خديجة الرياضي، وهي تتحدث إلى قناة “الحرية” الإلكترونية عن وضعية العاملات في زمن الجائحة، أن “المغرب لا يوجد ضمن لائحة الدول أكثر كفاءة في مجال الوقاية من هذه الجائحة، وهي تلك التي لم تضر باقتصادها وتمكنت من مقاومة الجائحة، وهي دول معروفة خاصة في آسيا”، وأضافت مؤكدة “نتائج الإجراءات التي اتخذها المغرب سنعرفها بعد تقويم الثمن الذي سيؤديه الشعب المغربي جراء هذه الإجراءات، هناك من يقول: الصحة قبل الاقتصاد، لكن سوء الاقتصاد والأزمة التي ستنتج عنه أيضا ستعود على الصحة وعلى الحقوق وعلى الشعب المغربي برمته، إن لم تكن هناك إجراءات أخرى قادرة على أن تحمي الشعب المغربي من تبعات هذه الأمور”.
وذكّرت الفاعلة الحقوقية بكون “دول أمريكا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا كلها دول معروفة باختياراتها النيوليبرالية منذ سنوات، وبالتالي اختياراتها تبيّن فشلها بعد اللجوء إلى الحجر الصحي والانعزال للحماية من الأوبئة، المفروض أن تكون هناك بنيات تحتية صحية لحماية الناس من الوباء دون اللجوء إلى الحجر الصحي وإغلاق المؤسسات الإنتاجية وعزل الناس في بيوتهم، فكان المفروض حماية الناس بشكل علمي وعزل المرضى بعد تكثيف الكشف، لا الأصحاء، دون الإضرار بالاقتصاد، وهناك دول قامت بهذه الأمور”.
واسترسلت الرياضي كاشفة أن “السياسات النيولبرالية قضت على القطاع العمومي وعلى الصحة حتى في هذه الدول المتقدمة، أسوء نظام صحي يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية، لكي تعالج يجب أن تكون متمكنا من ناحية الإمكانيات، لا يوجد قطاع عمومي، وهذا ما جعل هذه الدول تؤدي الثمن”. لتخلص إلى أن هذه الدول “ليست نموذجا، ولم يسبق أن كانت أمريكا نموذجا في القطاع الصحي ولا في مجالات أخرى”.
وعادت الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان لتؤكد أنه “لا يمكن القول بأننا نجحنا، يجب أن ننتظر ما يأتي فيما بعد ونرى الثمن الذي سنؤديه بسبب هذه الإجراءات”.
وفسرت أسباب لجوء الدولة إلى هذه الاختيارات بقولها: “الدولة المغربية لجأت إلى الإغلاق من أجل حماية الناس من المرض لأنها لا تتوفر على بنية تحتية لاستقبال المرضى، وسبب لجوئها إلى هذا الحل هو أن سياساتها منذ عشرات السنين قضت على البنية الصحية، فلا توجد مستشفيات ولا إمكانيات قادرة على استقبال المرضى، فالحل الوحيد المتبقي لديها هو عزل الناس في بيوتهم، هذا الإجراء في حد ذاته دليل فشل، ونتائج هذه الإجراءات ستكون خطيرة على مستقبل البلد، وعلى مصير الشعب وحقوقه، وبوادرها ظهرت من خلال توقيف التوظيف والاقتطاع من الأجور وقرار رفع المديونية..” لتنبه في نهاية هذا المحور إلى أن “الدولة اليوم تتخذ اختيارات خاطئة وخطيرة جدا، الإجراءات الوقائية لم تعط فقط حماية الناس من المرض، بل أعطت أيضا انهيارا اقتصاديا”.
أما أمان جرعود، مسؤولة القطاع النسائي بجماعة العدل والإحسان، فقد اعتبرت أن “هذه الجائحة كشفت عن الأعطاب التي كان يعتبر الحديث عنها نوعا من السوداوية، وكشفت عن الطابع المتوحش للرأسمالية المتجردة من كل قيم الإنسانية، وهذا مكسب مهم في حديثنا عن دول تبدو ذات طبيعة متقدمة”.
ولفتت إلى أنه “عندما نتحدث على أن هذه الجائحة أثرت على اقتصادات دول كبرى يجب أن نستحضر أن هذه الدول تملك من الإمكانيات ما يسمح لها بسرعة التعافي، وهو ما عبر عنه مجموعة من وزراء هذه الدول كألمانيا”.
وأقرت أن “المجتمع المدني من الباب الإنصاف يجب أن يعترف بالإنجازات التي تستحق ذلك، ولكن من باب المسؤولية كذلك يجب أن نضع الأصبع على مكامن النقص والضعف والاختلال وإلا لن يبقى له أي دور”.
هذه المسؤولية دفعت الفاعلة النسائية إلى القول إن “تدبير الأزمات علم وخبرة لا يمتلكها المغرب، وهو ما أبانت عنه أزمات محلية؛ فيضانات وكوارث طبيعية عاشتها مناطق في المغرب عجزت الدولة عن إيجاد حلول لها”.
واستحضرت جانبا آخر يدفعها إلى الكلام في مآلات هذه التجربة؛ هو “علم التوقع، فإن كان يصعب أن نقيم تجربة إلا بعد انتهائها، فمن حقنا أن يكون لنا توقعات انطلاقا من المقدمات، لأن هناك منطق يحكم الأمور، فالمقدمات تحدد المخرجات، وهو ما بدأ يظهر مع مشروع مالية 2020، ومن خلال الحديث عن تراجع النمو الاقتصادي بـ5%، ومن خلال الحديث عن عجز الميزانية بنسبة 7,5%، وأن هناك تراجعا للاستثمار العمومي بنسبة 10%. والأكثر من هذا عندما أبانت الجائحة عن حيوية قطاعات على رأسها الصحة والتعليم، وكنا نظن أن الميزانيات ستحاول ما أمكن تصحيح أخطائها وتعيد الاعتبار لهذه القطاعات، أبقت الدولة على الميزانية المرصودة لقطاع الصحة، والتي لا ترقى إلى المعايير الدولية”.
وأضافت عاملا آخر عدّته من المؤاخذات على طريقة تدبير الدولة للأزمة هو “التدبير الانفرادي للدولة، فلم تشرك معها مختلف الفاعلين داخل المجتمع، واحتكرت تدبير هاته الأزمة، في حين نجد في تجارب أخرى إشراك المجتمع المدني، على الأقل في جانب التحسيس والتوعية وتقديم المساعدات”.
وآخذت جرعود على هذه الإجراءات كون “جزء كبير من الثمن يؤديه المواطن”، فـ” الدولة اتخذت إجراءات لا يمكن التنكر لها، لكنها لم تتخذ ضمانات إنجاحها دون أن يكون ذلك على حساب المواطن البسيط”، وساقت “مثالا من واقع المواطن البسيط المعيش؛ سائقو سيارات الأجرة، فرض في إطار احترام الإجراءات الاحترازية تخفيض الطاقة الاستيعابية إلى النصف (3 ركاب بدل 6)، لكن الذي يؤدي فاتورة هذا التدبير الاحترازي هو المواطن البسيط، الذي عوض أنه كان يؤدي ثمن مكان واحد أصبح يؤدي قيمة مكانين اثنين”.
لتخلص هي الأخرى إلى أنه “من الصعب جدا أن نتحدث عن نجاح هذه الإجراءات الاحترازية التي ستنهك جيب المواطن البسيط المنهك أصلا”.
في محور ثالث، استحضر بعض الأرقام، حيث اليد العاملة الزراعية النسائية في المغرب تفوق 70%، وحسب وزارة الشغل، فإن اتفاقية لها مع الجانب الإسباني خلال شهر نونبر من السنة الفارطة قضت بتوفير 16 ألف عاملة في مزارع الفراولة في إسبانيا، عن طريق عقود موسمية. قالت عنها الرياضي، اعتمادا على التقارير الحقوقية الصادرة في هذا الجانب وبعض الكتب التي وثقت جانبا من معاناة هذه الفئة، “هناك تعامل تمييزي فيما يخص العاملات المغربيات في مزارع إسبانيا مع نظيراتهن الإسبانيات”، واعتبرت أن شروط إبرام هذه العقود مجحفة “فمثلا ضرورة أن يكون لديهن أطفالا صغارا وأن يتركنهم في المغرب، هو تعامل تمييزي وفيه استغلال للأطفال. وحرمانهن من حقهن في الخروج من المنطقة التي يشتغلن فيها، وحرية التنقل حق مكفول من طرف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كذلك كل شروط الحماية من الاستغلال، التي تبين من خلال التجارب السابقة أنه يصل حد الاستغلال الجنسي والمضايقات الجنسية والابتزاز..”.
ولفتت الناشطة الحقوقية أن هذه الأوضاع “نظمت بخصوصها مظاهرات ضخمة في إسبانيا تضامنا مع هؤلاء العاملات، وكان المفروض على الدولة المغربية أن تساندهن، السفارة والقنصلية المغربية كان يجب أن توفر لهن محامين ودعمهن ومساءلة السلطات الإسبانية في هذا الشأن، لأن هذه شراكة بين الدولتين المغربية والإسبانية. وأيضا شروط الإقامة؛ أماكن العيش مهترئة لا تتوفر على الشروط الصحية..”.
وعلقت على مسؤولية الدولة المغربية في حماية هؤلاء العاملات قائلة: “هذه كلها تفرضها القوانين والالتزامات الدولية، وهي تدخل ضمن مسؤولية الدولة المغربية لأنهن مواطنات مغربيات، وأيضا مسؤولية الدولة الإسبانية لأنهن على أرض إسبانية، والمفروض أن تطبق عليهن القوانين الإسبانية، وهي قوانين متطورة أكثر، ولكن الدولة المغربية يجب أن تحرص على هذا الأمر، وهو ما لا تفعله، لأنها تنقص عنها مجموعة من اليد العاملة والبطالة وتجلب الأموال، وهذا يمس بكرامة هؤلاء النساء وبحقوقهن”.
واستحضرت هنا مشكل تدني الأجور في هذا القطاع في الدولة المغربية، حيث “الحد الأدنى للأجور في مجال الفلاحة في المغرب (SMAG) ضعيف جدا ولا يصل حتى نظيره في الصناعة، وهو حيف كبير يجب أن يرفع، فإذا قارنا هذا الأجر الهزيل مع ما تؤديه الشركات الفلاحية في إسبانيا يظهر أن هناك فرق كبير، فإن أمعنا النظر نجده ليس أجرا يقتضي كل هذه التضحيات، والذي تقبل على أساسه النساء شروط العقود المجحفة”.
وأوضحت الرياضي دافعها لهذا الاستنتاج؛ “اليوم 7000 عاملة عالقة في إسبانيا بعيدات عن أطفالهن، وقد وقفت شخصيا على حالات يعيش فيها الأطفال وحيدون في البيت، وحالت الجائحة دونهم ودون التكافل الاجتماعي الذي كان يحظى به هؤلاء الأطفال، ولم تفعل الدولة المغربية شيئا. وهنا نطرح مشكل المغاربة العالقين في الدول الأجنبية دون التفات من الدولة، ومنهم من أجهضت ومنهم من انتحر ومنهم من توفي ومنهم لم يعد يتوفر على مال.. وبعد هذا كله هل نستطيع أن نتكلم عن نجاح سياسة الدولة في محاربة الوباء”.
في المحور ذاته، أقرت أمان جرعود أن “وضع العاملات داخل أو خارج المغرب لا يمكن أن نناقشه إلا في إطارين اثنين؛ الإطار الأول عام مرتبط بالاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمغرب؛ وهنا تدخل طبيعة هذه العقود والاتفاقيات التي يبرمها المغرب مع مجموعة من البلدان، فإلى أي حد المغرب حريص على حفظ كرامة المغربيات؟” معتبرة أنهن “يمثلن المغرب، فالذي يجب أن يقوم مقام الدفاع عنهن وحماية حقوقهن وصون كرامتهن وسمعتهن هي الدولة المغربية”، وهناك إطار خاص، تقول أمان، “فلا يمكننا أن نناقش وضعية العاملات بمعزل عن وضعية الشغيلة عموما، والتي تعاني في العالم بأسره من وضع هش مع وجود تفاوتات مرتبطة بطبيعة الاقتصادات.. وحتى العاملات لسن كتلة واحدة، هناك تمايز كبير بينهن، فكيفما كانت مؤاخذتنا على الإطار القانوني المنظم للقطاع المهيكل تبقى الطامة الكبرى العاملات خارج القانون والحقوق، وهن عاملات الإطار غير المهيكل، وتزداد المعاناة أكثر عندما نتحدث عن عاملات خارج أرض الوطن، اللائي يصبحن خاضعات لقوانين بلدان أخرى لا يفقهن فيها شيئا، فينضاف جهلهن بالقوانين وباللغة والعادات.. إلى ويلات الاستضعاف والمعاناة وغياب الرعاية والتمييز في المعاملة والاستغلال الاقتصادي والاستغلال الجنسي والحاجة المادية التي يجب استحضارها، لأن هؤلاء العاملات يرسلن رواتبهن لأسرهن شهريا فيبقين بدون سند مادي في ظل هذه الجائحة محشورات فيما يشبه المخيمات”.
واستدعت جرعود لتوصيف حالة هؤلاء العاملات قولة “تلخص حجم المعاناة، قالها المقرر الأممي المكلف بالفقر المدقع، وكان يجب أن لا يغمض للمغرب جفن حين يسمعه يتحدث عن العاملات المغربيات ويقول: “ما رأيته في ويلبا لم أره في أي مكان آخر””، معتبرة القولة “وصمة عار في جبين النظام المغربي”.
ونبهت إلى “مفارقة عجيبة جدا وغير مفهومة وغير منطقية” أثناء الحديث عن هذه الشريحة؛ “ففي الوقت الذي نتكلم عن حلقة مهمة جدا في الإنتاج الاقتصادي نتحدث في الوقت ذاته عن الحلقة الأضعف، لأنه عندما يحظى مكون بالأهمية في مسار إنتاجي معين لابد أن نسعى إلى تقويته وتمكينه من مجموعة من الحقوق والامتيازات التي تضمن له الكفاءة والخبرة.. لأن هذا سيعود بالنفع على عملية التنمية، إن كنا نتكلم بالفعل عن التنمية المستدامة، أما عندما نسعى إلى إضعاف الحلقة الأساسية في عملية الإنتاج فلا مجال للحديث عن تنمية بشرية”.
واستحضرت عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان في مناقشتها لأوضاع هذه الفئة المقاربة السياسية، فأوضحت أنه “عندما تكون هناك معركة بين ضرورات الكرامة وضرورات لقمة العيش نكون على يقين أننا أمام معركة غير متكافئة تنتصر فيها ضرورات لقمة العيش، وستضطر هؤلاء المغربيات أن يخضعن لشروط التعاقد المجحفة، العقد المفروض أن يكون علاقة رضائية بين طرفين يفترض المشرع أن بينهما نوع من التكافؤ، وهذا غائب، فالعقود التي تبرم لا نجدها تشير إلى هذا النوع من التكافؤ، بل بالعكس نجدها تؤسس لعلاقات إذعان، علاقات تستبطن مفهوم السخرة وإهانة حقوق الإنسان عموما بغض النظر عن جنسه”.
وختمت مداخلتها بتحميلها الدولة المغربية المسؤولية في هذا الملف من نواح متعددة، وأيضا المجتمع المدني، فقالت: “نعتقد أن ملف العاملات خارج المغرب من ينبغي أن يتحمل المسؤولية الأساسية فيه هو الدولة؛ من جهة إبرام العقود، ومن جهة ضمان الشروط الأساسية الكفيلة بحفظ كرامة هؤلاء المواطنات باعتبارهن مغربيات حاملات لجواز السفر المغربي وللبطاقة الوطنية، وأن إهانتهن وتعرضهن لاغتصاب حقوقهن هو اغتصاب لحقوق المغاربة ككل وإهانة المغرب ككل. ثم يأتي بعد ذلك دور جمعيات المجتمع المدني الحقوقية والنسائية التي يجب أن تلعب دورا مهما في التحسيس والتعبئة والضبط، في اتجاه تشكيل جبهة عريضة تكون فعلا خير سند لهؤلاء النسوة، خاصة ونحن نعلم الوضعية الهشة التي يعشنها وحالة ضعف الوعي بحقوقهن وإمكانياتهن”.