الرياضي وجرعود تتحدثان عن تردي وضعية العاملات (1): الأسباب والمآلات

أوضحت الفاعلة الحقوقية خديجة الرياضي، وهي تتحدث إلى قناة “الحرية” الإلكترونية عن وضعية العاملات في زمن الجائحة أن “ما تبين من خلال الأرقام والإحصائيات والمعلومات حول تفشي الوباء في البؤر المهنية أنه مس بشكل كبير النساء خاصة العاملات في قطاعات معينة، هي القطاع الفلاحي والصناعة الغذائية، ومعلوم أن هذين القطاعين يشغلان عددا كبيرا من النساء، وظروف العمل فيهما جد متدهورة، ويعرفان أيضا استغلال قويا للنساء”. وأضافت مستحضرة الوضعية العامة لهاته الفئة: “النساء العاملات في المغرب يتمركزن بشكل كبير في قطاعات تتسم بالهشاشة وظروف العمل السيئة وحماية أقل وعمل أقصى.. فنحن نعيش باستمرار مآسي حوادث النقل التي تتعرض لها النساء العاملات بسبب الشروط اللاإنسانية لنقلهم إلى العمل. وهناك كتب صدرت توثق مآسي النساء الزراعيات العاملات في بركان وفي مناطق أخرى.. وهناك أيضا تقارير الجمعيات الحقوقية والنقابات، خاصة في الجنوب، في منطقة بيوكرى والنواحي – اشتوكة آيت باها – حيث خاضت النساء احتجاجات كبيرة من أجل مطالب بسيطة؛ تتمثل في الحصول على الحق الأدنى من الأجور، واحترام ساعات الشغل..”.
واعتبرت الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بشأن إلقاء بعض المسؤولين (تصريح رئيس الفدرالية المغربية للفواكه الحمراء) المسؤولية على هؤلاء العاملات بذريعة أنهن لم يتعاملن بجدية مع التدابير الوقائية المتخذة من طرف المشغلين، أنه “طبيعي أن يتنصل أصحاب الضيعات والشركات والمسؤولين عن هذه الأوضاع من المسؤولية، كما تفعل الدولة حين تتنصل من حماية العاملات والعمال، ولكن المعطيات تؤكد العكس، ففي للا ميمونة مثلا في منطقة ادلالحة طالبت العاملات بإجراء التحاليل لأن أحد زملائهن اتضح أنه مصاب بالمرض حتى لا تنتشر العدوى في المعمل، لكن لا أحد أنصت لهن، فهن كن أكثر مسؤولية من المشغل”. وأرجعت الأمر إلى “الاستهتار بحياة وصحة ورفاهية العمال والعاملات، لأن المشغلون لا يحترمون القانون، وهم الأغلبية، فوزارة التشغيل تقول بأن 30% من المشغلين هم فقط من يحترمون بنود قانون الشغل”، واسترسلت تعدد المسؤولين عن طفح هذه البؤر “والخطأ الخطير هو أن السلطات العمومية لا تتحمل مسؤولياتها، حيث يجب أن تتدخل السلطات لتفرض على المشغلين توفير شروط الوقاية والاحترازات الضرورية التي وضعتها السلطة، فيجب أن تراقب من يحترم ومن لا يحترم. وكل التقارير والتصريحات تؤكد أن في هذه البؤر لم يكن هناك احترام لهذه البروتوكولات”، لتخلص إلى أن “المسؤولية واضحة ولا تستطيع تصريحات من هذا النوع تغطيتها”.
وبخصوص دلالة تفشي هاته البؤر أوضحت الأستاذة الرياضي أن هذه “الفئة من المواطنين؛ العمال والعاملات، وهي الفئة المنتجِة، هي آخر من يتم الاهتمام بها”، وهذا راجع حسب قولها لكثرة البطالة وإمكانية استبدال العمال بسرعة، وهذا مما يفقد قيمة العامل والعاملة، إضافة إلى أسباب أخرى؛ إذ “يجب أن تكون هناك نقابة قوية، ومجتمع مدني يدافع عن حقوق هذه الفئة، وأن تكون هناك حركة ينتظمون فيها وتتكلم باسمهم”.
الأستاذة أمان جرعود، مسؤولة القطاع النسائي بجماعة العدل والإحسان، غاصت في الأسباب التي أوصلت وضع هؤلاء النسوة إلى ما هو عليه، فقالت: “أصابتنا جائحة كورونا والوضع الاقتصادي المغربي جد مهترئ، ساهم في اهترائه وهشاشته وضعفه مجموعة من العوامل؛ تراكم سنوات الفساد، النهب المستمر الممنهج، سوء التدبير، ارتفاع المديونية، توالي سنوات الجفاف.. مما يجعلنا أمام تداعيات خطيرة جدا على الاقتصاد المغربي والتي يؤدي ثمنها دائما الحلقات الأضعف. وحينما نتحدث عن الشغيلة المغربية، فنحن نعرف واقعها، ووسطها يمكننا الحديث عن وضعية النساء”.
وأردفت: “بالنسبة لتفجر البؤر، في وقت ما بدأ يطفو على السطح إمكانية احتواء الوباء والمشي بخطى ثابتة نحو تقليص الأرقام فإذا بنا نتفاجأ في كل مرة بعودة الأرقام إلى مربع الصفر، مع انفجار بؤرة للا ميمونة، وبؤر الشمال: صناعة الكابلاج والسيارات وغيرها”.
وبينت جرعود باستهجان أنه “في بحثنا عن الأسباب نجد من المفارقات العجيبة إلقاء التهمة على أكباش فداء والتي تكون دائما إلى الحلقات الأضعف، وهي العمال والعاملات”، بدعوى أنهن “لا يلتزمن بشروط السلامة الصحية وأنهن خرقن تدابير الحجر الصحي وبالتالي تسببن في انتشار العدوى..”. واعتبرت هذا نوعا من التسطيح في التعاطي مع الأسباب الحقيقية الواقفة وراء تفشي هذه البؤر.
هذه الأسباب، تقول جرعود “لا يمكن أن نقاربها في غياب الحديث الواضح والصريح عن الاهتمام بالمكاسب الربحية والحرص على التدفق الإنتاجي للوحدة الصناعية والفلاحية، وهذا ليس عيبا ولكنه يصبح كذلك في غياب شروط السلامة الصحية”. كما لا يمكن الحديث عنها “ونحن نغيب تغول الرأسمال وعدم خضوعه لمجموعة من التدابير؛ ومن بينها التقليص من عدد العاملات، واللجوء إلى سياسة المناوبة، والتدابير الصحية الاحترازية”.
هذا التغول الذي لم يكن ليستمر، حسب جرعود، “لولا تساهل أصحاب القرار السياسي، وتواطؤهم الواضح من خلال مجموعة من الممارسات”، وهو ما اعتبرته “أمرا مهما ينبغي أن يؤخذ بنوع من التفصيل والتدقيق”.
وعدّت الفاعلة النسائية بعض مظاهر هذا التواطؤ قائلة: “حينما نتحدث عن تهاون وتقصير السلطات العمومية خصوصا عن القيام بوظائفها الرقابية والحمائية والزجرية.. فهذا نوع من التواطؤ. وحينما نعلم بأن هؤلاء العاملات – على سبيل المثال – تقطعن مسافات تتجاوز في كثير من الأحيان عشرات الكلومترات في وسائل نقل مهترئة، وفي ظروف نقل أقل ما يقال عنها لا إنسانية، تحت مرأى ومسمع السلطات العمومية ولا من يحرك ساكنا، كان من الطبيعي أن نتوقع ما حدث وأن لا نقول أنه قد فاجأنا”.
و”حينما نعلم أن مجموعة من العاملات رفعن نداءات يطالبن فيها السلطات العمومية بإجراء الفحوصات الاستباقية ولا من مجيب، كان طبيعيا أن نتوقع ما حدث” تضيف جرعود.
و”حين نعلم أن مجموعة من الوحدات الإنتاجية، خاصة الفلاحية، مثلا الفراولة حسب بعض المتخصصين رفعت من منتوجها 25% في ظل الجائحة”، تتابع جرعود، وتتساءل: “لمصلحة من ارتفع هذا المنتوج؟ وعلى حساب من؟” لتجيب: “الأكيد على حساب هؤلاء العاملات”.
لتخلص إلى أن “ما حصل في هذه البؤر لم يكن مصادفة ولا قدرا كما يريد البعض أن يسوق له تنصلا من المسؤولية، بل نتيجة طبيعية للإخلال بالتدابير الوقائية والتقصير في أداء المسؤوليات وجشع الرأسمال”.
وبنبرة غير متفائلة تحدثت جرعود عن مآلات هذا الوضع، فقالت: “أعتقد، ونحن نلاحظ ونتابع التدابير التي وضعتها الدولة من أجل محاولة محاصرة الوباء ومعالجة المريضات والتكفل بهن.. أن ما حدث لن يزيد وضع العاملات إلا سوءا، نحن الآن في مرحلة تدبير أزمة وسط الأزمة وبشروط الأزمة، والأكيد أنه لن يكون إلا تدبيرا ترقيعيا وارتجاليا سيضاعف معاناة العاملات، لهذا أنا لست متفائلة لا بخصوص الوضعية الاعتبارية لهاته العاملات، ولا بخصوص المردودية المالية والتعويض المادي الذي يمكن أن يحصلن عليه.. ولست مطمئنة على عوائلهن، ونحن نعلم أن أغلب هؤلاء العاملات يعلن أسرا”.
وختمت هذا المحور الأول بتأكيدها أن “ما وقع ما هو إلا استفحال للمظلومية والتهميش والاستضعاف والتفقير .. اللهم إن كان هناك من تكاثف للقوى الحية داخل المجتمع من أجل الفضح والتحسيس والضغط نصرة لهؤلاء النساء”.