الدعوة والصيف

بمجرد قراءة عنوان المقال يتبادر إلى ذهن القارئ المسلم مجموعة من الأسئلة، ومن ضمنها: هل هناك دعوة خاصة بالصيف وأخرى بالشتاء؟ أليست الدعوة لله تعالى مطلوبة في كل زمان ومكان؟ أليست المقام الأسنى والمهمة الأسمى لأنبياء الله تعالى ورسله، ولكل مسلم بعدهم؟
الأصل في الدعوة أنها صالحة لكل زمان ومكان، وأنها محور حياة كل مسلم، يقول تعالى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الأنعام، 162)، ومن أجلها بعث الله أنبياءه ورسله وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ (فصلت، 33).
من هذا المنطلق يتضح أنه من واجب كل مسلم ممارستها تطبيقا لأمر الله تعالى وتأسيا برسله وأنبيائه الكرام، وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القائل في حديث رواه عبد الله بن عمرو: “بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً” (صحيح البخاري، 3461)، ليلا ونهارا، صيفا وشتاء، شدة ورخاء.. إلا أن واقع حياتنا وسيرورتها يلقيان بظلالهما، ويفرضان علينا وضع برامج ومناهج للدعوة خاصة بكل فصل شتاء كان أو صيفا.
ولكون هذا الأخير يتسم بأهم صفة وهي الفراغ، إذ بعد كثرة انشغالات المسلم طول السنة إما بالوظيفة أو الدراسة أو غيرهما.. يأتي هذا الفصل ليمنحه راحة ذهنية وجسدية، ومتسعا من الوقت، وفراغا وجب استغلاله أيما استغلال؛ أولا في الدعوة إلى الله تعالى، وثانيا لاكتساب مهارات يصعب اكتسابها في باقي فصول السنة. يقول الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: “نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ” (صحيح البخاري، 6412)، ويقول أيضا: “لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسأَلَ عن أربعٍ: عن عُمرِه فيما أفناه؟ وعن عِلمِه ما عمِل به؟ وعن مالِه من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمِه فيما أبلاه؟” (الترغيب والترهيب، 4/298).
فكيف نستغل صيفنا وفراغ وقته فيما يعود علينا بخيري الدنيا والآخرة؟
من المعروف والمتداول أن هذا الفصل مخصص للسفر قصد الاستجمام، وإقامة الأعراس، وزيارة العائلة والأصدقاء. فكم سيكون جميلا ورائعا لو استغللنا هذه المحطات في نشر دعوة الله سبحانه وتعالى وتبليغها بالمقام قبل المقال، جميل أن يؤدى المسلم صلاته في وقتها؛ على الشاطئ ويدعو أصدقاءه وأحبابه لصلاتها جماعة، وجميل أن يتسامر معهم بحفظ آية أو دراسة حديث، ورائع أن يحيي سنة نبينا الكريم في طرق استغلال وقته..
كم هو ممتع ورائع أن نجدد نيتنا، ونجعل زياراتنا لأهلنا أولا صلة للأرحام وثانيا تجديد عهد لانتمائنا لهذا الدين بإصلاح ما أفسده الدهر فينا، بعيدا عن غيبة ونميمة.
والأجمل أن نود أحبابنا ونجاملهم ونفرح لفرحهم ونشاركهم أعراسهم ومناسباتهم السعيدة، بعيدا عن الاختلاط السافر والأغاني الماجنة والإسراف اللامنطقي والمباهاة بزينة حياة زائلة.
والأروع مما سبق اجتماع أبنائنا على اكتساب مهارات فكرية ولغوية وحرفية، عوض قضاء لياليهم الصيفية فيما لا يفيد.
ومبلغ أمانينا ومنتهاها أن نرحل من دنيانا وقد حُزنا نصيبا من كل ما هو جميل ونافع، سواء كان علما أو دعوة لله أو عملا ينتفع به، وعملنا لما بعد الموت، لأن أغنى مكان على وجه الأرض القبور، وليس القصور كما يعتقد أغلبنا، يقول سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه: “إنْ قامَتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكمْ فَسِيلةٌ، فإنِ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يَغرِسَها فلْيغرِسْهَا” (صحيح الجامع، 1424)؛ دعوة وأمر من معلم البشرية للاستمرار في عمل كل ما هو جميل إلى أن يقبض الله سبحانه وتعالى الروح، فـ“منْ ماتَ على شيءٍ بعثَهُ اللهُ عليهِ” (السيوطي، الجامع الصغير، 9017).