يوميات معلمة في زمن الكورونا

استيقظت حليمة في إحدى صباحات الحجر الصحي على صوت المنبه. فتحت عينيها بتثاقل وكسل لتستقبل يوما كباقي الأيام..
اتجهت نحو المطبخ لتعد فنجانا من القهوة، يمنحها بعضا من الطاقة، تحتسيه على عجل، لتيمم نحو صالون البيت، المكان الوحيد الذي يمنحها بعضا من الهدوء والترتيب، ويمكّنها من إلقاء درسها بإتقان.
بين ليلة وضحاها، وجدت نفسها تخضع لحجر صحي فرضته جائحة تجوب العالم. ووجدت نفسها أيضا رهينة الهاتف والحاسوب وصبيب الانترنت.
تقضي جل نهارها تلقي دروسا عن بعد، نظرا لعملها كمعلمة.
في البداية كان الأمر صعبا ومرهقا، مستنزفا لطاقتها؛ تعقم، وتنظف، وتطبخ، وتدرِّس، وتهيء دروس الغد. وعندما تنعم ببعض الهدوء والراحة، تجلس أمام الحاسوب لتحول دروسها الورقية إلى ملفات “وورد Word”.
أمام حركة لا تنتهي؛ أطفالها الذين يتحركون جيئة وذهابا، يتضورون جوعا في انتظار ما ستجود به عليهم حين انتهاء درسها، وزوج توقف عن العمل بسبب الوباء وما فرضته السلطات من حجر، وعقل لا يتوقف عن التفكير في المآلات التي ستتمخض عنها هذه الجائحة، وأشياء عديدة تجعلها في تفكير دائم.. تحاول حليمة التركيز في عملها.
ما إن تبدأ عملها صباحا، حتى تجد البناء قد استهل عمله هو الآخر في إصلاح بيت متداع بقربها، وكأنه على موعد مع درسها.
ومع طرقات المطرقة، ورنين الهاتف، والتحاق التلاميذ فوجا تلو الآخر إلى المنصة التعليمية.. عذاب لا ينتهي، ولا يخفف من وطئه إلا النية تستحضرها، وكلمة شكر وثناء تثمن عملها، وواجب التزمت بأدائه حتى نهايته، وراتب ستناله لأنها بحاجة إليه.
الكل يستعد لرمضان، بالرغم من الظروف التي يشهدها العالم.. نظافة وترتيب وإعداد للحلويات والمأكولات الشهية..
يسألها أطفالها: متى ستعدين “الشباكية” و”السفوف”؟؟… لا تجد جوابا.
برامج تربوية تنزل كل أسبوع، حافلة بالعبادات والروحانيات التي تنتشل الناس من وطأة الوباء وتخفف عنهم الحجر الصحي وتهون عنهم الأزمة التي أصابتهم.. في حين هي متعثرة، متهالكة، تدرك أشياء وتفوت أخرى.
ترى الآخرين تنعموا بالحجر الصحي، واستفادوا منه، وارتاحوا أيضا، وهي لم تحظ فيه سوى بالتعب والإرهاق.
تتوالى الأيام وتتكرر على إيقاع واحد، ولا جديد، سوى ثقة وتفاؤل بأن القادم أجمل.
تتوصل بين الحين والآخر برسالة إلكترونية تمدح جهودها، وأخرى تجحف ما تقوم به.
آباء وأمهات يتدخلون في أمور تعنيهم وأخرى لا تعنيهم.
رمضان على الأبواب ولا تريد سوى أن تنعم براحة وطمأنينة قلبية تستقبل بها الشهر الفضيل، وتعلن الوزارة في ساعة متأخرة عن عطلة رسمية في الأسبوع الأول من رمضان، فكان الفرج…
وعلى تسارع الأيام وانسيابها بسرعة، إلا أنها كانت فسحة بعد عناء، ونفَس بعد تعب..
لتدرك حليمة معنى كونها معلمة، فهي مهنة لا ككل المهن، بل هي أكبر وأعظم من أن تحتويها الكلمات؛ هي تعلم، وتنصت، وتوجه، وتربي، وتحنو، وتربت، بل وتصبر على ذلك وتبذل فيه ما وسعها من عطاء…
أدركت أن باستطاعتها تعلم أشياء عديدة، كانت تظنها بعيدة المنال، مثل مواكبتها للمجال الرقمي، لتجد نفسها تتأقلم وبسرعة أيضا مع واقع فرضته الظروف والأقدار.
أدركت أن من يتقن عمله ويجوده ويقدمه في أبهى حلة، أكيد سيحصد غلته وهي حلوة ناضجة، وأن الحب والسعادة يكمنان في العطاء وليس في الأخذ.
تعليم عن بعد واقع لا مناص عنه، وستزاوله إلى أن يشاء الله.
فتحية لكل معلم ومعلمة أجادا عملهما، وأديا رسالتهما على أكمل وجه، واحتسباها خالصة لوجهه الكريم.