من صناعة الأسرة إلى صناعة الولد

المحبة والمودة من الركائز الأساس لبناء جميع العلاقات الإنسانية، التي حث عليها الله سبحانه في كتابه الكريم. هذا الحب الذي ينبع من محبة الله ورسوله، ولا شك أن كل ما يوصل إلى حب الله تعالى يوصل إلى حب الرسول صلى الله عليه وسلم، والعكس كذلك صحيح، قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبيبكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم (آل عمران، 31)، والمؤمن يمشي في الطريق كيسا يلتمس كل السبل لذلك حتى يحظى بالجائزة الكبرى؛ حب الله وملائكته وعباده.
عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض) (1).
والحب رزق من الله يبثه في قلوب عباده لتسري في محيط أوسع، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني رزقت حبها) (2)، في إشارة للسيدة عائشة رضي الله عنها، التي كان يفتخر بحبه لها ويظهره على الملأ؛ ليس عبثا وإنما للاقتداء والاتباع.
الحياة الزوجية
الزواج سنة الله في الأرض؛ فهو يجمع بين رجل وامرأة ليتشاركا حياتهما معا برباط دائم وثيق، يرتكز على الوفاء والإخلاص والتفاهم والتقدير المتبادل.
لذلك يجب على الزوجين تحمل أعباء الحياة وتجاوز المشكلات التي تعترضهما، ولابد من تعزيز العلاقة الودية بينهما من خلال زيادة الحب والعطف والرعاية لبعضهما لتنعكس على الجو الأسرى ويحقق بذلك الاستقرار المنشود، وهو ما يحتاج إلى عدة مفاتيح تربوية. فما هي أهم تلك المفاتيح التي تزيد وتحافظ على الحب والمودة؟
يعرف الحب بأنه حالة من الميل المبهم اتجاه شيء ما، ولا يعد مهارة وإنما نزوعا فطريا، وتعتمد زيادة الحب والود بين الزوجين على الاهتمام بعدة جوانب نفسية ومادية مما يساهم في تحقيق التقارب والسعادة بينهما، ويعطيهما حياة زوجية طيبة وهادئة، نعرضها كما يلي:
مثلث السعادة
على قدر قرب الزوج والزوجة من الله تكون السعادة أو الشقاء، قال تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (التوبة، 109).
الثقة
تعتبر الثقة من أهم الأسس التي تبنى عليها العلاقة الزوجية، حيث يجب أن يحرص الزوجان على بناء ثقة متبادلة بين بعضهما البعض، ويكون ذلك من خلال الحرص على الوفاء بالوعود التي تعطى للشريك، وعلى ترجمة أقوالهما إلى أفعال.
الصدق والصراحة
يعد الصدق مفتاح الفلاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة، 119). وهو أساس دوام العلاقة الزوجية؛ فهو يدل على الاحترام بينهما وتقدير كل منهما للآخر، كما تعد الصراحة وسيلة صحية لتجنب التصادم بين الزوجين، فتنبه كل طرف بوجود تصرف يزعج الطرف الآخر لتجنب المشاكل التي تعترض الحياة الزوجية.
الإخلاص
هو من أهم الأمور التي يجب أن يحافظ عليه كلا الزوجان، فمن المهم أن يخلص الزوج لزوجته – والعكس صحيح – في جميع الأوقات والأماكن والظروف؛ إذ إن الإخلاص يزيد الحب بين الزوجين، ويضمن نجاح واستمرار العلاقة.
الاحترام
يجب المحافظة على حدود الاحترام بين الزوجين، ومن أهم الأمور المترتبة عن هذا الاحترام مراعاة مشاعر بعضهما، كما أنه من الضروري أن يحترم الشريك ويقدر أهل وأقارب شريكته، وأن يحرص على التواصل معهم باستمرار من خلال تبادل الزيارات وتوطيد أواصر المحبة معهم، فلذلك أثر كبير في زيادة الحب بين الزوجين.
قضاء الوقت سويا
مع كثرة مشاغل كل طرف في مختلف الأعباء والمسؤوليات، يصبح الوقت الذي يقضيه الزوجان معا قصيرا وقليل البهجة، لذلك يترتب عليهما تخصيص جزء من الوقت للحديث معا وتناول وجبات الغذاء أو العشاء سويا، فلا بد للشريكين من الاستمتاع بحياتهما معا، وتعزيز أجواء المرح، وتغيير روتين الحياة الزوجية.
تبادل الهدايا
هذا مما يحقق السعادة ويبقي المودة والألفة حاضرة في قلبي الزوجين؛ فالهدية على بساطتها تدل على الاهتمام والحب، كما قال صلي الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا) (3).
خلاصة القول؛ كل تلك العناصر تفتل في إحسان صنعة البيت السعيد والنشء الصالح القوي المشارك في البناء والتغيير.
الإحالات:
(1) صحيح مسلم، الرقم 4901.
(2) صحيح مسلم، الرقم 4591.
(3) رواه البخاري في الأدب المفرد، 594.