من التربية، أن تَقبل ابنك كما هو

كثير من الآباء يريدون من أبنائهم أن يكونوا أطفالا مثاليين في أخلاقهم وسلوكياتهم وتعليمهم، أو نسخة طبق الأصل منهم.
هذه الطريقة في التفكير تخلق، في بعض الأحيان، هوة كبيرة وفجوة عميقة بين الآباء والأبناء، تتحول بعد ذلك إلى صراع ونفور ثم برودة في التعامل، إن لم توجه التوجيه الصحيح.
فالآباء وبحسن نية وقلة دراية، يجعلون من أبنائهم حقل تجارب لتحقيق نجاح عجز الآباء عن تَنْفِيذه في صباهم ويريدون أن يحققوه في فلذات أكبادهم، دون مراعاة لهذا الطفل ولقدراته العقلية والسلوكية وإمكانياته المعرفية.
هذا النمط من التربية وإن كان الأطفال يستسيغونه في سن مبكرة من أعمارهم، فسرعان ما يتحول إلى مواجهة بين الآباء والأبناء، عندما يبدأ الأبناء في تشكيل ذَوَاتِهِمْ واستقلاليتهم وتطوير أفكارهم وقناعاتهم حول الأشياء المحيطة بهم، فيبدأ الطفل برفض كل شيء نابع من والديه، إذ يحس من خلاله بنوع من الوصاية المفرطة والتدخل الفج في كل صغيرة وكبيرة من حياته. وفي المقابل يقبل أي شيء من أصدقائه؛ الخير والشر، الصواب والخطأ… لأنه وجد فيهم بيئة مستعدة لتقبله على ما هو عليه دون تدخل منهم، يعبر لهم عن مشاعره الشخصية وأفكاره الخاصة واهتماماته المتعددة بكل حرية وعفوية وجرأة.
في حين تغيب هذه البيئة الحاضنة المحتضنة داخل الأسرة، والتي يحس فيها الطفل باختناق لا يستطيع معه التنفس إلا بمغادرته إلى الطرف الآخر الذي يرى فيه شَطّ نَجَاتِهِ من ذلك “الشرطي الأب” الذي يتربص له كل خطأ أو سلوك، لكي يُوَقِّعَ عليه العقاب المناسب أو يسمعه محاضرات طويلة تزيد من حدة التوتر بينهما. فيبدأ الأبوين بطرح الأسئلة على بعضهما البعض:
لماذا لا يتقبل أبناءنا كلامنا ويرفضون توجيهاتنا ولا يستسيغون التدخل في حياتهم؟
كيف أقبل أطفالي على ما هم عليه؟ وكيف ألغي تلك الحواجز والمسافات الفكرية والعاطفية التي بُنيت بيننا؟
أيها الآباء… أيتها الأمهات…
· تقبلوا أبناءَكم على ما هم عليه من اختلاف في التفكير والطباع والقدرات، وتفاعلوا مع أخطائهم وعنادهم وتصرفاتهم.. بالحكمة والرفق واللين والحوار. فإن قبلتموهم كما هم في الصغر، قبلوا منكم كل شيء في الكبر.
· علموا أبناءَكم الإيمان قبل القرآن، واعتدلوا في تربيتهم الإيمانية، ولا تحملوهم ما لا طاقة لهم به، ولا تكرهوهم على ما لم يشرع لهم، واغرسوا في نفوسهم محبة الله ورسوله، باللين والحكمة وبالحال قبل المقال.
· أَحيطوا أبناءَكم بمشاعر الحب والدفء والحنان، وأكثروا من عبارات الثناء البعيدة عن التكلف والتصنع.
· لا تكن علاقتكم بأبنائكم علاقة رسمية فيها الكثير من البرتوكولات والتكلف، بل اجعلوا العلاقة قائمة على الصحبة والانفتاح والاحترام.
· تعودوا الصراحة معهم وعودوهم الصدق في التعبير والوضوح في القول، حتى يكون البناء سليما والتربية صحيحة.
· قارنوا أبناءكم بأنفسهم لا بغيرهم لكي لا يشعروا بالنقص أو الدونية، وشجعوهم إذا طوروا ذاتهم. وركزوا على مكامن الكمال في شخصيتهم وعلى مواضع التميز في قدراتهم، بالقدر الذي يحقق الهدف.
· تابعوا أبناءكم ولا تراقبوهم، فالمتابعة قرب وحماية وتوجيه، والمراقبة تجسس وتخوين.
· وجهوا أبناءكم في سلوكهم لا في ذاتهم، لأن التوجيه على مستوى الذات يخلق المواجهة، أما التوجيه في السلوك فيشعر الطفل بأنك إلى جانبه تقومه وتنصحه.
· غضوا الطرف عن الأخطاء العادية والبسيطة وشجعوا أبناءكم على الأفعال الإيجابية، وعَوِّدوهم على احترام قواعد محددة لا يجب التنازل عليها.
· أنصتوا جيدا لحديث أبنائكم دون مقاطعة، وتفاعلوا معهم بنظراتكم وابتسامتكم وحواسكم وشاركوهم آراءكم بكل صراحة ودون مجاملة أو التواء.
· شاركوا أبناءكم هواياتهم ومواهبهم واقتحموا عالمهم بالتواصل معهم بكل الوسائل المتاحة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وإن كان لهم مبادرات أو مشاريع في هذا المجال فادعموها وساعدوهم على نشرها وشجعوهم بالتوجيه والنصيحة والهدية والدعاء.
· لا تبالغوا في الحرص على مستقبل أبنائكم، ولا تكثروا من الحديث عن دراستهم في كل وقت وحين، بل اختاروا الوقت المناسب لذلك.
· وقبل كل هذا وأثناءه وبعده ألحوا في الدعاء في كل الأوقات أن ينبت أبناءنا نباتا حسنا وأن يجعلهم قرة أعيننا وأن يعيننا على هذه الأمانة. يقول الغزالي رحمه الله في كتابه إحياء علوم الدين: “الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش ومائل إلى كل ما يمال إليه، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه، وكل معلم له ومؤدب. وإن عُوِّد الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه والوالي له” (إحياء علوم الدين: 106/4).