ماذا بعد الحجر؟

كل منا يدري أننا مررنا بفترة صعبة غطت ثلاثة أشهر؛ بدءا بشهر الربيع الزاهر الذي تعودت فيه النفس البشرية الاستجمام واستنشاق هوائه النقي والزاهي، ومرورا بشهر أبريل، ثم شهر ماي، الذي عادة ما كان يتسم بالاستعداد للسفر الطويل عند أغلب العائلات شعورا منهم بقرب انتهاء الموسم الدراسي.
لكن ما الذي وقع؟
توقفت كل الخطط والاستعدادات وتغيرت الأمور، وأصبح الكل مطالب “بالحجر الصحي” والتزام بيته، ومن هنا بدأت القصة؛ قصة “كورونا”، بدايتها كانت مفاجئة ونهايتها ما تزال مجهولة، البداية كانت كالصاعقة، فالكل تساءل: هل فعلا سنلتزم بالحجر الصحي؟ من منا سيدهمه المرض؟ هل لا يزال في العمر بقية، أم سنلحق بقوافل الراحلين إلى دار البقاء؟ هل اقتربت الساعة؟…
هكذا إذن التزمنا البيوت، وأصبح قول الرسول الكريم أقرب إلى التطبيق من أي وقت آخر: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”، استشعرنا مسؤولياتنا المتعددة، ورفعنا شعارات كثيرة، وتعايشنا مع الوضع. واقع جديد غريب.
هلع وخوف أصاب كل من سمع الخبر، والعاقل من خطط لحياته الجديدة، ووعى قوله تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
لابد من التغيير إذن.. وبدأ جل الناس عملهم على هذا التغيير على مستويات عدة:
– على مستوى علاقتهم بربهم.
– علاقتهم بإخوانهم في الإنسانية.
– علاقتهم بأنفسهم.
لن أخوض، في هذا المقال، في الحديث عن هذا التغيير خلال فترة الحجر الصحي، فقد صدق رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام حين قال: “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله”، وقوله أيضا: “جددوا إيمانكم. قيل: يا رسول الله، وكيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله”. فبين الحين والآخر تطغى النفس وتتجبر، ويبلى الإيمان، ومن كرم الله تعالى أن منّ علينا في هذا الحجر بنفحات وأسرار شهر رمضان الأكرم حيث تطهر النفوس وتصقل.
ماذا بعد الحجر؟ سؤال عريض يفرض نفسه، وهو ما سأحاول التطرق إليه.
لعل كل منا خطط لحياته، نسأل الله التوفيق لكل خير، غير أنني أحببت أن أشارككم بعض الخطوات التي أراها هامة كي ننتقل نقلة قلبية نهجر فيها ما شاب حياتنا من التكاسل والنقص.. قبل فترة الحجر، لنبدأ مسارا جديدا في طريق الهداية والسلوك إلى الله تعالى.
1- لا تكن كالتي نقضت غزلها؛ مثل متداول لبه أن لا نعود للذنوب والمعاصي، فكل منا لا محالة قد أحسن، ولو بنسبة معينة، غزل العبادة، وإن على بعض المستويات، فحري بنا أن نثبت ما اكتسبناه ونعمل من أجل الاستمرار والرقي فيه.
2- الزم باب العبادة، فالنفس البشرية لا تقوى على مجابهة خطط الشيطان لعنه الله إن لم نلزمها عبادة الله سبحانه وتعالى.
3- كن قوي الإيمان والإرادة واشتغل على نفسك، غذِّ روحك بالجمال الإيماني والحس الذوقي والفكري.
4- الزم صحبة صالحة تعينك على الخير والثبات والصلاح.
5- الزم باب الدعاء؛ قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ؛ ندعوه فلا محالة سيلهمنا السداد والفلاح.
6- اجعل خروجك من الحجر نقطة بداية، وفرصة للتغير، والتصالح مع الذات والغير. ابدأ صفحة جديدة تسعى فيها إلى الإحسان في جميع مجالات حياتك، ولتجعل هدفك رؤية وجه الله الكريم سبحانه.
7- لا تتوقف عن مجاهدتك لنفسك، وثق أنك قادر وأنك ستصل هدفك ما دمت تعمل عليه، وليكن حالك بعد الحجر طاعة وتبتلا وتسامحا وكرما.. فلا تدري متى يباغثك الأجل. أطال الله في عمرك وعمّره بمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.