فقه الطهارة (التّيمّم -2-)

الحمد لله الذي شرع الدين فسهّل اتباعه، وجعله نوراً لمن استضاء به، والصلاة والسلام على من علمّنا سنّته، صلاة تامة لا تنقطع إلى يوم الدين.
رأينا في الجزء الأول من موضوع التيمم تعريفه ودليل مشروعيته وفرائضه، وفي هذا الجزء سنبين – بإذن الله – سنن التّيمم ومندوباته ونواقضه.
النظم:
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
سُنَنُهُ مَسْحُهُمَا لِلْمَرْفَقِ ** وَضَرْبَةُ الْيَدَيْنِ تَرْتِيبٌ بَقِي
مَنْدُوبُهُ تَسْمِيَةٌ وَصْفٌ حَمِيدْ ** نَاقِضُهُ مِثْلُ الْوُضُوءِ وَيَزِيدْ
وُجُودُ مَاءٍ قَبْلَ أَنْ صَلَّى وَإنْ ** بَعْدُ يَجِدْ يُعِدْ بِوَقْتٍ إنْ يَكُنْ
كَخَائِفِ اللِّصِّ وَرَاجٍ قَدَّمَا ** وَزَمِنٍ مُنَاوِلاً قَدْ عَدِمَا
سنن التيمم
سنن التّيمم ثلاث:
أولها- مسح اليدين إلى المرفقين: أما إلى الكوعين فقد تقدّم الدّليل على فرضية ذلك، وأمّا الدليل على سنية المسح إلى المرفقين فلحديث نافع مولى ابن عمر، أن عمر – رضي الله عنهما – أقبل من أرضه الّتي بالجرف فحضرت العصر بمِربَد الغنم، فنزل عبد الله فتيمم صعيدا طيّباً فمسح وجهه ويديه إلى المرفقين ثم صلّى. رواه مالك في الموطأ.
ثانياً- الضربة الثانية: لمسح اليدين، لحديث ابن عمر – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في التيمم: “ضربتان، ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين” رواه الحاكم في المستدرك.
ثالثا- التّرتيب: في المسح فيقدّم الوجه على اليدين، لورود كيفية ذلك مرتّباً في كتاب الله عز وجل. قال تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (النساء، 43).
مندوبات التّيمم
أولا- التسمية: لحديث “كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله – وفي رواية بحمد الله – فهو أقطع -وفي رواية أجذم” (رواه أحمد).
ثانياً- الصفة الحميدة: أي الصفة المستحبّة في كيفية التّيمّم، فهو ما ورد في كتاب الله عز وجل فتيمموا صعيدا طيباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ (المائدة، 6).
وفي صفته عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عمّار، وأبي الجهيم – رضي الله عنهما – ففي حديث عمّار بن ياسر لعمر بن الخطاب – رضي الله عنهما -: أما تذكر أنا وأنت؟ فأما أنت فلم تصلّ، وأما أنا فتمعكت فصلّيت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما كان يكفيك هكذا: “وضرب بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثمّ مسح بهما وجهه وكفّيه” رواه البخاري.
نواقض التيمم
قوله: “ناقضه مثل الوضوء ويزيد… الخ”؛ أي نواقض التّيمم هي كلّ ما ينقض الوضوء من أحداث وأسباب وغيرهما، لأنّ أحكام المبدل تنسحب على البدل، ويزاد في التّيمم على نواقض الوضوء ناقض آخر، وهو وجود الماء قبل الصّلاة؛ إن طلبه قبل الصّلاة فلم يجده فلمّا أراد الصّلاة وجده، فلو صلّى بذلك التّيمم بطلت صلاته لوجود الناقض، قال تعالى: فلم تجدوا ماءً فتيمموا (المائدة، 6)، فمن وجد الماء بطل تيممه إلا من استثني.
ولحديث أبي ذر – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “يا أبا ذر إنّ الصعيد الطيب طهور، وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك” رواه النسائي في سننه.
قوله: “وإن بعد يجد… الخ”؛ أي وإن بعد صلاته بالتيمم وجد الماء أعاد في الوقت ندباً إن أمكن قبل خروجه، أمّا إن ضاق الوقت فلا إعادة عليه، سواء كان خائفا من لص ثم أمن، أو راجيا قدِم على الماء، أو قدم الماء عليه، أو مريضا وجد من يناوله.
لحديث أبي سعيد الخدريّ – رضي الله عنه – قال: خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاّة وليس معهما ماء، فتيمما صعيداً طيباً فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصّلاة بوضوء، ولم يعد الآخر، ثمّ أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد: “أصبت السّنة، وأجزأتك صلاتك”، وقال للذي توضأ وأعاد: “لك الأجر مرتين” رواه أبو داود في سننه.
المرجع: العرف الناشر في شرح وأدلة فقه متن ابن عاشر.