بعض أبواب بر الوالدين

في حياة كل فرد منا تنشأ علاقات متعددة ومتنوعة، لكن تبقى علاقة الآباء والأبناء الأكثر تميزا وتفردا، فبها تتأسس الأسرة التي تعد أساس المجتمع، بل ونواته. فإذا تأملنا هذه الرابطة، نجد أنها الأمتن من بين جميع الروابط الموجودة على الأرض، لذلك أوصى بها الله تعالى في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، وما فتئ سيد الخلق عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام يذكرنا بالوالدين، بما أنهما مدرسة تعلمنا فيها الحكمة والرحمة، وتشربنا فيها معاني الحب والصفاء، حيث قال صلى الله عليه وسلم: “رضا الربُّ في رضا الوالدينِ، وسخطُهُ في سخطِهما” (1).
ولتحصين هذه العلاقة وجب على طرفيها الالتزام بمجموعة من القيم، نذكر من جملتها بعض ما يجب أن نتحلى به، بصفتنا أبناء:
أولها: استشعار المراقبة الإلهية، فإذا استحضرناها بحق جعلتنا نبر بوالدينا ونطيعهما فيما يرضي الله، مصداقا لقوله تعالى: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما (لقمان، 14) .هذا ونحسن إليهما إحسان الذي لم ينس معروفا قد أسدي إليه، وحنو يد مدت إليه فلم تفلته حتى بعدما اشتد عوده، ذلك أن المولى عز وجل قرن عبادته بطاعتهما، وجعلها الطريق الموصل إليه تعالى ولمحبته وعفوه ورضاه، وكذا لنيل الدرجات العلا.
ثانيها: شكر والدينا على كل ما قدموا لنا من تضحيات، بما أنهم بذلوا وسعهم في تربيتنا والعناية بنا، وضمن ذلك خدمتهما، لاسيما في سن الضعف والحاجة والكبر والمرض، والنظر إليهما برحمة، لقوله صلى الله عليه وسلم: “رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ” (2).
ثالثها: الدعاء لهما، مصداقا لقوله عز وجل: وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (الإسراء، 23 و24).
وفي هذا الصدد قال الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله: “تعود إليهما تلك الرحمة التي أحاطا بها الصبي والطفـل واليافع رحمة تُستَمْطَرُ على قبرهما بعد أن يكلأَهُما بِرُّ المولود المحفوظِ الفطرةِ برعايتهما” (3).
الهوامش:
(1) رواه السيوطي في الجامع الصغير، عن عبد الله بن عمرو، صحيح.
(2) رواه مسلم.
(3) عبد السلام ياسين، العدل: الإسلاميون والحكم، ص 309 على موسوعة سراج.