أماه هل أنا جميلة؟

ما إن تبدو عليها ملامح التغير الفيزيولوجي حتى يصبح شغلها الشاغل المرآة، وسؤالها الملح هل أنا جميلة؟ تلك هي الفتاة التي لم تحظ بأرضية تربوية خصبة، ولم توضح لها الأمور من قبل.
فهي لم تعلم أن الجمال أنواع وألوان، وأن الجمال لا تحكمه الملامح الخارجية للجسد، فالشكل ما هو إلا إطار، أما الصورة الحقيقية فهي في أعماق النفس وسلوك صاحب الإطار. ولم تدرك أن الصانع هو الله سبحانه وتعالى الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين (السجدة، 7)، وأنه وحده سبحانه المصور وصوركم فأحسن صوركم (غافر، 64)، وأن الشخص كيفما بدا لنا جميلا أو ذميما فإن الله خلقه في أحسن تقويم لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم (التين، 4).
هذه الحقائق كيف توقن بها بناتنا اللواتي يفتحن أعينهن على عالم موار؟ تمور فيه الفتنة وتروج، لا هم لمعظم النساء فيه إلا التباهي بالجمال، والتسابق إلى عمليات التجميل والموضات، والمفاخرة باقتناء الماركات العالمية.
كيف نقنعهن وهن ينظرن إلى العالم المادي بعين منبهرة مخدوعة بهذا الجمال التجاري المغشوش الذي يدخل قعر بيوتنا ويلوث فطرة بناتنا، من يسمعهن قول الشاعر:
جمال الوجه مع قبح النفوس ** كقنديل على قبر المجوس
كيف تسمع كل هذا ونداء الفطرة والأنوثة يناديها؟ إنها فتاة ستصبح مستقبلا زوجة ثم أما، وإنه من دواعي الأنوثة وتلبية نداء الفطرة الاهتمام بالجمال، وإلا لم أباح الله سبحانه وتعالى الحرير والذهب للنساء وحرمه على الرجال؟ إلا أن التزين والتجمل ضبطه الشرع بضوابط حتى لا تصبح المرأة فتنة تخرب المجتمع.
وإن أخطر مرحلة تجتازها الفتاة هي عندما تنتقل من طفولتها البريئة إلى مرحلة النضج عبر بوابة الشباب والمراهقة، حيث يصعب إجبارها على اتباع أحكام الشرع في اللباس، ومنعها من إظهار مفاتنها بالقسوة والقهر.
ومن ثم وجب علينا معرفة طبيعة المرحلة وخصوصيتها حتى نتمكن من إيصال الخطاب الشرعي بالشكل الذي يجعلها تقبله ولا تتمرد عليه. وقد كثر الحديث عن سمات المراهق والسلوكيات التي يقوم بها خلال تلك الفترة، من ذلك أنه يكره من ينتقده ويتلذذ بإهانته، ويستمتع بتكسير الأوامر وينفرد برأيه، كما أنه يحب القيام بأعمال تثبت أنه كبير، فيدين بالولاء لكل كبير ويحب المحافظة على كل صورة إيجابية تميزه، ويعشق من يمدحه…
إن عرفنا ذلك سهل علينا احتضان بناتنا، وفتح باب الحوار الهادئ معهن، وتوجيههن بالإشراك والتشاور والتخيير، ولنا في التوجيه القرآني خير دليل: يا أيها النبيء قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا (الأحزاب، 28).
وقد اختارت أمهاتنا رضوان الله عليهن الله ورسوله والدار الآخرة فكن لنا خير قدوة.
كما يتعين علينا نبذ العنف والغلظة والإملاءات، والإكثار من الإطراء والمدح والثناء، والتنويه بإنجازاتهن مهما كانت متواضعة، لأن المرحلة تقتضي ذلك، وإلا فإن الفتاة ستظل دائما تبحث عن من يروي ظمأها العاطفي، وقد تسقط والعياذ بالله بين يدي الذئاب الذين يتفننون في استدراج ضحيتهم فتسقط في ما لا تحمد عقباه.
وقد دلنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على الأسلوب الراقي الذي ينبغي نهجه في التعامل مع البنات، فهو كان صلى الله عليه وسلم كلما دخلت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها يقوم لها ويقبلها بين عينيها ويجلسها مكانه، وكان يلقبها بـ«أم أبيها».
لننظر إلى هذا السمو في التعامل وإلى هذا الثناء الذي يسمو بالسيدة فاطمة لتصبح أما لسيد البشرية، ما ألطفك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ضربت لنا السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها المثل في العفة والحياء، حتى أنها كانت تخشى ظهور أطراف جسمها الشريف بعد موتها، فهي لما مرضت مرض الموت الذي توفيت فيه دخلت عليها أسماء بنت عميس رضي الله عنها تعودها، فقالت لها السيدة فاطمة رضي الله عنها: «والله إني لأستحي أن أخرج غدا على الرجال (أي إذا مت) ويظهر جسمي من خلال هذا النعش. فقالت لها أسماء رضي الله عنها: أو نصنع لك شيئا رأيته في الحبشة؟ فصنعت لها النعش المغطى من جوانبه بما يشبه الصندوق. فلما رأته رضي الله عنها قالت لها: سترك الله كما سترتني”.
أي حياء وأي طهر هذا من إنسانة فائقة الجمال، فهي كانت أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في كتب السير، وعن جمال رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: «لو أبصرت صويحبات يوسف عليه السلام جمال محمد صلى الله عليه وسلم لقطعن القلوب بدل الأيادي».
رزقني الله وإياكم جمال الروح، وحفظ بناتنا بما حفظ به الذكر الحكيم. آمين آمين والحمد لله رب العالمين.