مشروع القانون 20\22.. جريمة في حق الوطن

بعدما انكشفت عورات النموذج التنموي تحت طائلة الأرقام والتقارير، ها هي كورونا اليوم تبدي ما كان قد ووري من سوءاته؛ سلسلة الاختلالات في التسيير والتدبير، مضافا إليها العقلية السلطوية التي تخنق الحريات وتكتم الأصوات، ينتهي بها المطاف، في استغلال منحط لظرف كورونا، إلى دق آخر مسمار في نعش أحلام وآمال الديمقراطية، لتلوح لنا حكومتنا بآخر صيحاتها، قانون 20\22 كاشفة عن حماية الممارسين الحقيقيين للسلطة، من خلف واجهة الحكومة طبعا، لنفوذهم السياسي والاقتصادي على حساب المواطن الذي يريدون حرمانه حتى من حقه في الصياح.
فكيف تدعي حكومة إذن كونها منتخبة من الشعب، في الوقت الذي تضطهده بسياساتها وتخلف في كل مرة الموعد مع التاريخ، وتشتغل ضدا على إرادة المواطن ومصالحه، فنظام المقاصة ونظام التقاعد والتوظيف والصحة والتعليم… كلها إفسادات لطموح المواطن وهضم لحقوقه المشروعة في بلاده تحت مسميات الإصلاح، وها هي اليوم تنحني أمام لوبيات الاقتصاد ممن يستفيدون من الريع بكل أشكاله لتفرض على المغاربة الصمت تحت طائلة التهديد بالحبس والغرامة.
إن مشروع القانون 22/20 الذي سمحت الحكومة بطرحه للنقاش في مجلسها – وسربت بنوده فيما بعد – متجاوزة كل الأبعاد الأخلاقية للعملية السياسية، وكأنها تستلهم قيم ميكيافيلي في إدارة الدولة، وهي بمبادرتها تلك تحفر وصمة عار في جبين السياسة في المغرب، ستظل مؤرخة كما ستظل سابقاتها من القوانين التي تم فرضها على المغاربة، وكلها تفتل في التمكين للاستبداد والفساد.
إن الفاعل السياسي اليوم مطالب بتحديد اصطفافه بعد أن انكشفت كل العورات، ولم يعد هناك شيء يخفى على ذكاء المغاربة، ويجب على كل من يحترم قيمه وأخلاقه ومرجعيته السياسية، أن ينأى بنفسه عن لعب دور الستارة التي تدار من خلفها الأدوار الماكرة، فالحياد في ظروف كهذه جريمة في حق الوطن، حتى إذا كانت الانتخابات لا تفرز إلا ستارات يختبئ وراءها المتنفذون، وجب على الشعب حينها أن يتصرف على هذا الأساس، ويعلم أنها لن تفرز مؤسسات تدافع عن مصيره ومستقبل أولاده، فكان الأولى أن يشارك في انتخابها أرباب الشركات ومن يتحكمون في الاقتصاد.
لقد كشفت الأرقام الرسمية، والتي إن أظهرت قمة جبل الجليد فما خفي منه أعظم، عن حجم الفقر في صفوف المغاربة، وعن العدد المتنامي للفقراء في مغرب اعترف بفشل مشاريعه التنموية، دون محاسبة من كان وراء الاختلالات، بل حتى أنه تم رصد ميزانيات من المال العام للجان بحث وتقصي، توقفت عند إنجاز التقارير الموقوفة التنفيذ. وها هو وزير المالية يتحدث عن 4.800.000 أسرة تعاني من الهشاشة، وهذا رقم مهول ويخبر بالكثير مما خفي من جبل الجليد، استفادت من دعم صندوق كورونا حسب كلام الوزير، و800.000 أجير توقفوا عن العمل بسبب الجائحة، وهم يسائلون الحكومة من أسفل سفح جبل الجليد عن الأمان الوظيفي في القطاع الخاص، وعن حماية الدولة لحقوق العمال فيه، هذا القطاع الذي أصبح يتوسع بسبب توجهات الدولة واختياراتها السياسية.
هي بعض أرقام تكشف حجم الفقر والهشاشة اللذان يعيش في مستنقعهما غالبية المغاربة، محكومون بالذل والقهر.
وباتساع شبكات التواصل وعدد مستعمليها، ازداد تكشف عورات السياسات الرسمية، ومدى مفارقتها لهموم المواطن، وكأنها تصاغ لخدمة أجندة قطعا المواطن ليس ضمن جدول أعمالها. ثم يشاء الله أن تتنزل بنا الجائحة في وضعية السوء والاهتراء هاته، لتكشف بدورها عن مستوى التفريط الهائل، وما جنته أيدي المسؤولين على القطاعات الحيوية، ولولا ألطاف الله تعالى بعباده المقهورين المستضعفين، لحلت الكارثة بما لا نحتمل دفعه. ومع ذلك تتشبث الدولة حتى في أحلك الظروف بهوايتها في ممارسة القمع والترهيب في مسرحية طالت مأساتها وتنوعت، وها هو الستار يرفع عن آخر فصولها بمشروع القانون الفضيحة، الذي يطرح آلاف الأسئلة عن النوايا خلفه، والذي يهدف إلى إسكات المغاربة، وإفراغ قنوات التواصل وشبكاته من محتواها الفكري والسياسي والتوعوي… لتنضاف هي الأخرى إلى قائمة قنوات التجهيل والتفاهة، والقصد أن يتحول المواطن إلى كائن داجن.