ليل طويل

كان يومها طويلا، زاد في تمديده الألم الذي تعانيه، والحزن الذي تكابده. وما إن حل الليل، حتى تنفست الصعداء، كاد قلبها ينفطر من قوتها… أخيرا حل الليل… لعل سكونه يشعرها بالراحة، وظلامه ينسيها بعضا من أوجاعها. ربما لأنها تشعر بتناغم بين طاقة جسدها وحركته، وبين وتيرة سكون الليل وهدوئه.
لكن ليل هذا اليوم كان مختلفا عن غيره، صاخب جدا، هز سكونه الرسائل والبلاغات التي كانت تصل تباعا دون توقف؛ إنه الإعلان عن تفشي الوباء، وإلزام الناس في مساكنهم بالبقاء، ضجة قضت مضجع هذا الليل الجميل.
بالنسبة لها لاشيء تغير، البقاء في المنزل أمر مألوف، بيد أن موعدها مع الليل تعكر صفوه، وصحبتها له وخلوتها به انجلت بين السهارى والمستيقظين المتوجسين من خطر الزائر الثقيل. حقا لقد تعكر صفو ليلها الجميل الهادئ.
جرفها تيار الرسائل التي لم تتوقف، سيل الأخبار والتحذيرات من هول الوباء، أصاخت برهة لمخاوف من حولها ومحاوراتهم المتباينة، يا الله؛ ما هذا الكم الهائل؟ إنه ليل ليس كباقي الليالي.
فجأة ! انتبهت لحالها قائلة: على رسلك، لقد عاهدت ليلك على الالتزام بجميل صفائه وهدوئه وسكونه وإطراقه.
توجهت إلى ملجئها المعهود حيث يكون الالتحام، وإذا بسكونه يغشاها، وظلامه الجميل يحجب عنها صخب الأخبار والإشعارات.
أحست بنسيم عليل يسري في كامل جسدها المنهك، وصاحت بصوت كاد من حولها أن يسمعه؛ يا الله؛ يا الله ما قدرناك حق قدرك… استخففنا بنعمك…. جحدنا عطاءك… غفلنا عن عبادتك… لطفك يا الله.
وسرعان ما عادت شراع روحها إلى سفينة الليل الساكنة، عمت روحها وجسدها نفحة باردة من هواء لم تدري من أين أتتها؛ أيقظت همتها وهبت مسرعة متبتلة داعية، ففي الليل يحصل الأنس وتسكب العبرات وتستجاب الدعوات.