لماذا الإكثار من الكلمة الطيبة؟

قال الله تعالى: ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء (إبراهيم، 24).
قال ابن عباس: «الكلمة الطيبة لا إله إلا الله، والشجرة الطيبة المؤمن» (1).
قول لا إله إلا الله باللسان، والثبات على قولها، وتكرارها آناء الليل وأطراف النهار يرسخ شجرة الإيمان في القلب فتثمر ثمارا يانعة؛ أخلاقا فاضلة في سلوك المؤمن، ومراتب علا عند الحنان المنان.
كلمة التوحيد والإخلاص لها مكانة عالية في الدين، وشأن عظيم في بناء شخصية المؤمن، وردت في فضلها أحاديث عدة، من ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة» أخرجه البزار. وقوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله” رواه الترمذي.
هي أفضل الذكر، وأفضل ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم والنبيئون من قبله، لذا حث عليها الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، واعتبرها من شروط التربية الأساسية ضمن الشرط الثاني: خصلة الذكر بعد خصلة الصحبة والجماعة، حيث قال: «شعبة هي أم الشعب ومنبع الفيض الإيماني وجماع الخير هي الكلمة الطيبة قولا واعتقادا» (2). عليها تتوقف سعادة الإنسان كما قال رحمه الله، فمن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة كما جاء في الحديث.
تبدأ الكلمة بنفي الألوهية عن كل ما سوى الله «لا إله» لتثبتها بعد ذلك إثباتا مطلقا لله وحده «إلا الله»، فلا معبود بحق إلا الله ولا خالق إلا الله ولا مرغوب إلا الله… ومتى رسخ هذا المعنى في القلب أحدث فيه عجائب الوصل والقرب من الله عز وجل، والخضوع والاستكانة بين يديه، لكن هذا لا يتحقق بالتمني بل لابد من الإكثار من قولها والثبات عليها، والإكثار لا يعني قولها بالمئات بل بالآلاف، يقول الإمام المجدد رحمه الله: «ونرى أن المئات من المرات لا تكفي، يلزم حزب من لا إله إلا الله آلاف المرات بالعشي والابكار وما بينهما..» (3).
ما رغب الإمام المجدد رحمه الله في الإكثار من قولها إلا لعلمه بأسرارها، ولا أدل على فضلها ودورها في تغيير النفس واستنهاض همة الفرد من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختارها من بين الأذكار كلها لتجديد الإيمان في القلب، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جددوا إيمانكم. قيل: يا رسول الله وكيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله» رواه أحمد والطبراني. ويبين الإمام المجدد رحمه الله معنى هذا التجديد بقوله: «هي الكيمياء التي تجدد الإيمان، وتقويه وتبعثه» (4). فهي تصقل القلب وتطهره من أدرانه، وتضني الشيطان وتبعد وسوسته، وتضبط النفس وتخلصها من رعونتها. ومن تخلص من هذه المعيقات أقبل على ربه بقلب سليم، ونال الفلاح والفوز الكبير الذي وعده مولاه. جعلني الله وإياكم أحبتي من الفائزين، والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
(1) تفسير القرطبي، ص 258.
(2) عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، ص 153.
(3) نفسه، ص 40.
(4) نفسه، ص 154.