قطوف من كتاب سنة الله للإمام ياسين (2): الكينونة بإزاء القرآن وتحت منبر المصطفى ﷺ

قرآن كريم به أصول وأجول وفيه المحصول والمفضول
منبر المصطفى منه استقي الحكم وفيه القواعد والأصول
تاريخ الأمم عنه أرفع الستائر ومنه الاستبصار والحلول
عطاء المولى أبغي هو الرجا هو السر المشمول المصقول
رباعية موصولة بها الخلافة تكون هي البشارة والوصول
سنن كونية للألباب عبر تنجلي فيها الشروط والمدلول
حكم مسنونة من الإمام مأذونة تصقل بها القلوب والعقول
نعيش في خضم حضارة استهلاكية عبثية وجودية، حيث تتربع المسلمة الدوابية تحكمها قوانين إباحية، وحيث أعيش “أنا الحائرة” في دوامة قاحلة وحيرة طاحنة، أتساءل من أين يبدأ التغيير؟ وكيف؟
كلما هممت إلى فك مكانيزمات الواقع ومكوناته لاستيعاب مداخل تغيره وإصلاحه، غلبني الشعور بالخواء لتحديد الداء فصعب الدواء.
اختلطت عندي الأمور والمفاهيم وتضاربت الآراء
احتارت العقول والقلوب حتى انتابهما العياء
تعاورت الأفكار بين مد وجزر وتداولت الأعباء
تعقدت الحلول لدي، تشابكت وصعب الجلاء
جلست “أنا الحائرة” متأملة أبحث عن الصواب
واتجهت قاصدة المولى الوهاب رب الأرباب
أتضرع إليه متوسلة لرفع الحجاب وفتح الباب
وضعت بين يدي علوما مشمولة في الكتاب
“سنة الله” عتبة لمتن مبارك مفرج للصعاب
فيه القصد والمراد في طياته فصل للخطاب
اجول بنظري بين دفتيه واتمعن في الكتاب
لعلي أجد لحيرتي منفذا وتوضيحا للجواب
وبينما كنت أصول في الدروب، أتطلع إلى المطلوب، وأبحث عن المرغوب، إذ بالمصحوب المحبوب يقول لي: “ما هي الضمانات الإسلامية للإنسان وكرامته وحقوقه التي جاء بها الإسلام، كيف طبقت وكيف ضاعت وكيف تسترد؟ ما هي مواصفات الخلافة الراشدة الأولى حتى نخطط على علم للخلافة الثانية؟ ما خصائص جماعة المسلمين كما ألفها الله على يد رسوله الكريم فحملت أعباء الجهاد لنحذو ذلك الحذو؟ كيف تمزقت الجماعة الأولى وكيف نشأت الفرق في الإسلام، وكيف دب الخلاف، وكيف استفحل، ولم غالى من غالى، وجمد من جمد، واستبد من استبد، وظلم من ظلم؟”.
“إنْ قَفَزْنا فوق تاريخنا فاتتنا العبرة وفاتنا الاستبصار، واختلط علينا اللب والجوهر بالقشر والأعراض. وبفوات ذلك نرتطم بالواقع الذي نريد أن نغيره، بَدْءاً بواقع أنفسنا التي نريد أن تكون محسنة” (ص 19).
أغلقت الكتاب بعد ما وجدت الصواب وأزحت الضباب
آنذاك أدركت أن العلم نور، ونور الهادي لا يهدى لعاصي
رضا المولى مناي وطلبي
منبر المصطفى نبعي وغذائي
صحبة الأخيار زادي وخلاصي
كتاب الله دليلي ومرجعي
“سنة الله” منطلقي وقطوفي.
إن تتبع الأحداث وتسلسلها وربط النتائج بمسبباتها مفتاح لتغير الواقع وإصلاحه، هذا الأخير مرتبط بمن أنا ومن أكون وما عنواني في الملكوت الأعلى، استنتاج أستخلصه من الكينونة بإزاء القرآن وتحت منبر المصطفى العدنان. كيف السبيل لذلك سيدي ومصحوبي ودليلي في محنتي؟
يقول الحبيب المرشد: “سنة الله ترتيب النتائج على المقدمات، وترتيب المرحلة على المرحلة، والمعلولات على العلة، وتغيير ما بالقوم على تغيير ما بأنفسهم، والفوز في المعركة على إعداد القوة.
الوقت بساط على امتداده تتسلسل هذه العمليات وتتوالد وتتدرج. وفي احترام هذا التدرج العام قانونُه على الناس أجمعين تكمن حكمة الله الخاصة بهذه الأمة، تطوى لها المراحل وتمهد الصعاب وتعجل بالنصر” (ص 21).
درر من المحبوب كشف للمحجوب
عطاء من المصحوب علاج للمشوب
اضمحلال للعيوب وانتصار للشعوب
رفع للكروب وانشراح للقلوب
قوة اقتحامية بإرادة جهادية، وعامل ذاتي لفهم السنن الكونية، وجعلها للعيان جلية واضحة لا مشتتة خفية، مدروسة حاضرة لا مجهولة مغيبة، تصنف أسبابها، وتحترم شروطها لتقطف ثمارها: سنة الله في الكون، ولا تبديل لسنة الله.
المدد الإلهي لا ينزل على القاعدين، لا بد من الأخذ بالأسباب وطرق الباب واقتحام الصعاب، لا بد من دعاء؛ تضرع عملي واستفتاح حقيقي ميداني لأبواب النصر والتمكين، قال تعالى في سورة الفتح وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا. سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا.
بجوار القرآن، وعند منبر المصطفى العدنان، قطوف يانعة وقواعد دالة، لمن يبحث عن أسباب التمكين وإقامة الدين، عن ذلك يخبرنا الإمام عبد السلام ياسين: “من الإسلاميين المعاصرين من يدل على الضيق ويتصور أن فرض القوانين الإسلامية بالقوة يوم يستولي جند الله على السلطة كاف لإقامة الدين. لا نتفق مع هذه العقلية القانونية، ولا نحب أن يصبح أهل الحق جلادين يُكْرِهون ويكرِّهون، ولا نقول برفع التكليف لنبدأ من نقطة التوحيد فقد تم التنـزيل والأمة مسلمة مكلفة بالشرع كله. لكن نقول بوجوب التدرج وضرورة التربية” (ص 24).
التربية .. التربية .. التربية
كان الإمام المرشد ينصحنا بأن نكون تلاميذ نجباء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نجلس تحت منبر المصطفى صلاة ربي وسلامه عليه.
كلمة صادقة وصدقة جارية وعلم ينتفع به والحمد لله رب العالمين.