فقه الصيام

شهر رمضان ضيف كريم يحل علينا مرة في كل سنة، فيه الخير العميم والأجر المضاعف والبركة في الوقت والمال والصحة والإيمان، وصيامه عبادة تحتاج لعلم وفقه، فكيف نصومه بشكل صحيح شرعا؟ وما الأمور التي يجب أن نعلمها بالضرورة كمسلمين؟
الصوم شرعا:
هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج وما يقوم مقامهما بنية التقرب إلى الله تعالى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فيما عدا زمن الحيض والنفاس وأيام الأعياد. و هو فرض عين على المكلف.
للصوم ركنان:
– النية: شرطها الليل قبل الفجر أو معه، وتكفي نية واحدة طول الشهر، ويمكن تجديدها كل ليلة.
– الكف عن المفطرات، من أكل و شرب و جماع، من طلوع الفجر للغروب.
ويجب بشرطين:
– البلوغ.
– القدرة على الصوم.
ويصح بشرطين:
– الإسلام
– الزمن القابل للصوم: ما عدا أيام العيد وأيام التشريق وفق رأي الجمهور.
وشروط الوجوب والصحة معا:
– العقل.
– دخول رمضان.
– النقاء من دم الحيض والنفاس.
ويثبت صيام رمضان بأحد أمور ثلاثة:
– إكمال شعبان ثلاثين يوما.
– رؤية عدلين فأكثر للهلال.
– رؤية جماعة مستفيضة للهلال، غير عدول طبعا.
للصيام سنن من فعلها فهو مأجور ومن تركها لا يأثم، ومكروهات من تركها يؤجر ومن فعلها لا يأثم، ومبطلات صاحبها يأثم وصيامه باطل وعليه إما القضاء أو القضاء والكفارة والتوبة.
سنن الصيام
1- كف اللسان والجوارح، لقوله صلى الله عليه و سلم: “من لم يدع قول الزور و العمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه” (1).
2- تأخير السحور، لقوله صلى الله عليه وسلم: “عَجَّلُوا الإِفْطَارَ، وَأَخَّرُوا السُّحُور” (2)، و السنة أن نتسحر بالتمر ، لقوله صلى الله عليه و سلم: “نعم سحور المؤمن التمر” (3).
3- تعجيل الفطر: بعد تحقق الغروب مباشرة للحديث السابق، والأولى على رطبات، فإن لم يكن فتمرات، وإن لم يكن حسا حسوات من ماء، جاء في سنن أبي داود والترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ” (4).
4- الدعاء عند الفطر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إنَّ للصَّائمِ عندَ فِطرِهِ لدعوةً ما تردُّ” (5).
مكروهات الصيام
1- ذوق شيء له طعم كالملح والعسل دون ابتلاعه طبعا، إلا لضرورة.
2- فعل مقدمات الجماع: كالقبلة واللمس، وذلك إن علمت السلامة أي التحكم في الشهوة، وإلا حرم ذلك.
3- شم الطيب نهارا: لأنه من جملة شهوة الأنف.
4- الوصال بالصوم: وهو استرسال الصوم بلا فطور ولا سحور، فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الوصال، وهو خاص به صلى الله عليه وسلم لأن الله يطعمه ويسقيه.
5- الحجامة: وتكره مخافة الضعف.
6- صيام يوم الشك، إلا إذا كان دينا أو كفارة أو نذرا و لمن له عادة صيام.
مبطلات الصيام
1- تمرير الأكل والشرب عبر الحلق، ولو لم يصل إلى المعدة.
2- كل شيء مر من الحلق، ولو لم يكن مغذيا كالحصى والقطع المعدنية.
3- كل شيء وصل للمعدة، ولو من غير الفم والأنف.
4- اختار الكثير من العلماء القول بإفطار أي مادة مغذية ومقوية ولو لم تمر عبر الحلق، كالإبر الوريدية، التي تمر في العروق الدموية، أما الإبر العلاجية غير المغذية فلا تفطر.
5- الجماع: فالجماع في ليالي رمضان مباح كالأكل والشرب وذلك بصريح القرآن واتفاق المسلمين، فقد قال الله عز وجل: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ… ” (البقرة: 187). أما الجماع في أيام رمضان فمحرم ويبطل الصيام، ومنه القضاء والكفارة، وهي فك رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، والمالكية يقدمون الإطعام، وهناك من يقول باحترام الترتيب: فك رقبة فإن لم تستطع فالصيام فإن لم تستطع فالإطعام.
وجمهور العلماء على أن الكفارة تكون فقط في الجماع في يوم رمضان، وما تبقى من المبطلات المذكورة منها القضاء، أما من تعمد الأكل في رمضان فالأمر فيه خلاف؛ فالشافعية والحنابلة يقولون بالقضاء والتوبة لأنه أتى كبيرة عظمى، والمالكية والحنفية يقولون بوجوب القضاء والكفارة للمفطر عمدا.
6- إخراج المني عمدا، ولو من غير جماع.
7- تعمد إخراج المذي باللمس والنظر والتفكير في الجماع.
8- تعمد إخراج القيء، أما إن غلب القيء على صاحبه فصومه صحيح، ولكن لا يترك شيئا في حلقه.
8- دم الحيض والنفاس: لحديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أليس إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم؟” متَّفقٌ عليه في حديثٍ طويلٍ، وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة.
أما بالنسبة لاستعمال المراهم والزيوت والاكتحال ومعجون الأسنان، فلا تفطر بشرط ألا يجد الصائم منها شيئا في حلقه.
فاللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا وأعمالنا الصالحة بقبول حسن، وتجاوز عنا، واغفر لنا، وارحمنا يا أكرم الأكرمين يا رب العالمين.
الهوامش:
1- رواه البخاري.
2- رواه الطبراني في المعجم الكبير.
3- رواه أبو داود.
4- سنن أبي داود والترمذي.
5- رواه ابن حجر العسقلاني.