ماذا تجدي إجراءات سليمة في غياب تنزيل محكم وإشراك مجتمعي؟

قامت الدولة لتفادي انتشار الجائحة وتطويقها بمجموعة من الخطوات الاستباقية والإجراءات المواكبة، والتي لا نختلف حول نجاعتها لو طبقت ونزلت على أرض الواقع بطريقة ناجعة، ولو وجدت بنية مجتمعية تستوعب مضامين هذه الخطوات، وتمتلك من الوعي ما يمكنها من تطبيقها بما يفي بالغرض منها في الحد من الجائحة…
إلا أننا، وللأسف، نجد أن رهان التطبيق والتنزيل خسرته الدولة والمجتمع معا، حيث نرى أن الدولة هي أول من يخرق التحذيرات في كل مناسبة لتنزيل إجراء من صنع يدها، إذ يصبح قرارها جميلا على الورق مشوها عند التطبيق، رافعا الحجاب عن عقلية مكتبية عاجزة عن تدبير الواقع، تنتهي مهمتها باستصدار القرارات بدون إجراءات عملية مواكبة كافية وضامنة لنجاعة التطبيق، ومصطدمة مع بنية تدبيرية غير قادرة على التنزيل بالطريقة الصحيحة، لأنها بكل بساطة غير مؤهلة لذلك كنتيجة حتمية لسياسات فاشلة لعقود…
أعطي مثالا بسيطا على ذلك وأختار آخر هذه الإجراءات؛ وهي تعميم استعمال الكمامات الواقية، حيث صحبتها حملة إشهارية مدوية بين عشية وضحاها بعد استصدار قرار فجائي بضرورة استعمالها بدون سابق إنذار ولا إعداد للمجتمع لذلك، وبعد أيام من نفي نجاعتها ولا ضرورتها الصحية، وكأن خطوة تصنيعها وكتابة قرار بإلزامية استعمالها وتكليف شبكة نقل الحليب بتوزيعها والبقالة ببيعها في غياب أي وعي صحي مسبق لديها كاف لتطبيق الإجراء وإنجاحه في مواجهة الجائحة.
إلا أن الواقع غير ذلك حيث لا وجود لهذه الكمامات بالكمية اللازمة للمواطنين كما روج لذلك، وأصبحت هي كذبة أبريل بامتياز، وأصبح اللف والدوران على اقتنائها بديلا عن لزوم البيت وضربا في إجراء ذو أولية في الحد من العدوى وحتى في حق من وجدها على ندرتها، فهل سيحسن استعمالها؟ وهل يراها أولوية صحية؟ وقبلها هل سيسخو بدريهماتها، ويعز ثمنها في مصاريف حيوية من قوت يومه يراه أولى بالصرف؟ وهنا أتكلم عن غالبية الشعب المفقر والمجهل…
نعم إلزامية استعمال الكمامات قرار لا نقاش فيه، لكن كان الأولى أن تسبقه خطوات لإعداد المواطن لذلك بحملات توعوية، خصوصا أن هذا القرار كما أخبرت الدولة جاء والكمامات قد أعدت، بما يعني أن القرار ليس وليد يوم وليلة، فقبل استصداره ناقش المسؤولون كيفية توفير الكمامات بل وتم إيجاد الوسائل لتحقيق هذا الهدف، مما يعني أنه كان هناك فسحة من الوقت لاستصحاب ذلك بحملة توعوية عبر وسائل الإعلام، وكذلك بحملات ميدانية من طرف شباب واع مستعد، وعبر عن المبادرة للخدمة الاجتماعية في ظل هذه الظروف وتحت إشراف الدولة، وهنا كما في كل الإجراءات التي نزلتها الدولة للحد من الجائحة نرى نجاعة إشراك الفاعل المجتمعي الواعي في ضمان سلامة التنزيل والتطبيق، ونسجل بأسف رفض الدولة المطلق لأي إشراك وإصرارها على الاستفراد بمواجهة الجائحة، مستعينة ببنيات غير قادرة على استيعاب ما تتطلبه المرحلة من حذر وحرص ووعي ونجاعة وجدوى…
ولا يخفى على المتتبع أن يلاحظ أن المنطق الأمني والخوف من الفرقاء المجتمعيين لا يزال يشكل الهاجس الأول للدولة، رغم فداحة الجائحة وما تتطلبه من تكاثف الجهود والترفع عن الحسابات الضيقة، فما أوصلنا لهذا المأزق إلا هذه السياسات الإقصائية، والإصرار على تجهيل وتفقير الشعب لنضطر لمواجهة هذه الجائحة بخسائر مضاعفة، بل وتمني العقلية المخزنية نفسها باستجلاب النفع من هذه الجائحة بتلميع صورتها وفرض المزيد من السلطوية، وكان الأولى أن تأخذ الدروس مما جنته سياساتها من تدمير لكل مقومات المجتمع، وعلى رأسها أن لا وجود لدولة على حساب شعب وتنميته ووعيه…