كورونا منحة رباط لا محنة إحباط

بعد أن حلت بنا جائحة كورونا العالمية، وبعد ما تلاها من تدابير ألزمتني و أسرتي – كما باقي النساء والأسر – المكوث في البيت حرصا على سلامتنا وسلامة مجتمعنا، وجدت نفسي أمام وضع طارئ ومتغير، لم أكن قد هيأت له من قبل، فبادرت بالسؤال: ما هو دوري في ظل هاته الأوضاع؟ و ما هي مسؤوليتي أمام أسرتي؟
وجدتها مسؤولية كبيرة على عاتقي كما سائر النساء، لأدير أسرة في ظل حصار وذعر وفزع من وباء اعتبروه بلاء وابتلاء، فيما اعتبرته محنة ومنحة، وفرصة رباط لا مجال فيه للإحباط.
سيما وبشائر الخير تهل علينا بإقبال شهر رمضان الذي أجده هدية ربانية ومنحة إلاهية لنعيش “الحجر الصحي” في ظل نفحاته العطرة.
وجدت نفسي أمام العديد من التحديات، فما كان السبيل إلا تجديد النية، حتى يكون بيتي بيتا من بيوت الله وينوب منابها في زمن الإغلاق، وأنخرط في رباط – وإن لم أعلم مداه – لكني اعتبرته رباط حياة، لبناء معان لا تؤتي أكلها إلا بديمومة الجهد والمجاهدة، والحرص على إشراك الأبناء في حياة لا تستقيم سعادتها وتنتشر بهجتها إلا ببرنامج تربوي؛ أستحضر فيه سنة التدرج والتحفيز والتحبيب لطاعات لطالما أرهقوني على مداومتها في زمن الروتين الدراسي بساعاته الطوال وواجباته الثقال.
وجدتها منحة ربانية لأعيد ترتيب علاقتي داخل أسرتي، وأدرب نفسي على طول الإنصات لأبنائي وكثير الحوار، بلسان التحفيز لا التأنيب، والرحمة لا القسوة. والاستيعاب لا الإبعاد.
هي فرصة لأطلع أبنائي وزوجي على يوميات الأم وهموم الزوجة، التي لم يلقوا لها بالا، وأشركهم في تدابير لم يعيروا لها اهتماما.
فرصة ليعلموا أن صراخي ومتابعتي لهم لتطبيق قواعد النظافة ليست مغالاة ولا تكليفا مرهقا، بل هي حفظ من شتى الأمراض وسلوك هو من الإيمان، وأن حرصي على ترك الحذاء خارج عتبة البيت هو خلق وآداب، وحماية من كل الأضرار.
وجدتها فرصة ليعلموا أن الوضوء طهارة ومناعة، وغسل اليدين باستمرار هو أدب ووقاية. وأن مواعيد الصلاة هي مواعيد مقدسة، وأن الإقبال على الله ليس انقطاعا عن الحياة وإنما انقطاع عن الملهيات. وأن البيت سكن ومساكنة لا تقوم إلا على التنازل والمياسرة، وعلى الإحسان في المعاشرة، لا العدل في المعاملة.
وجدتها فرصة ليتعلموا معنى الصلاة في جماعة، والدعاء لسائر الجماعات من البشر، وأن نماذج الأسر الناجحة قامت على الانجماع على الله والإقبال عليه، وأن سر النجاح يكمن في علاقة العبد بربه، والاجتهاد لا الاتكال.
وجدتها فرصة ليعلموا أن في الحياة مصاعب لا يملك حلها إلا الله الذي لا ملجأ إلا إليه سبحانه، فكان لزاما علي أن أدربهم على خلق الصبر والمصابرة، وأخبرهم أنهم إذا حرموا الدراسة في المدارس واللعب خارج المنازل لأيام، فإن لهم إخوة في بلدان الحصار “سوريا وفلسطين..” حرموا منهما لأعوام.