كورونا قدر من نوع خاص يدعوك للتأمل

كورونا مخلوق مجهري لا متناهي في الصغر، قلب العالم رأسا على عقب، عرى عن ضحالة كبار العالم وقزميتهم؛ سنين من التطبيل والدعاية الكاذبة لتعملقهم وقوتهم الخارقة، وإذا بها مجرد صناعة سينمائية لا تتعدى استوديوهاتهم الهليودية.
حرب النجوم والحروب البيولوجية ما هي إلا سيناريوهات ليس لها أي انعكاس في أي واقع علمي، اللهم خيالهم الواسع، تشربناها دعاية لتفوقهم المزعوم، نعم النجاح الوحيد الذي يحسب لهم هو نجاحهم في خداعنا.
كورونا تعيد ترتيب العالم وتعيد الكل إلى حجمه الحقيقي، حيث تضرب بعصاها في عقر دار كل وطن لينقلب السحر على الساحر، ولتبدو السياسات ونجاعتها على حقيقتها مجرد حبال لا تصلح إلا لشنق مذاهب متحكمة مستهترة، فقدت إنسانيتها وقيمها وأطالت في عربدتها في العالم واكتوى بنار سياساتها المستكبرة المستضعفون.
كورونا تحب العدل، فهي تساوي في استهدافها الكل بغض النظر عن الحيثيات، وليس للمصابين بها تمايز في الرعاية الصحية، الكل سواسية للنوم في نفس أسرة المستشفيات، أغلقت الحدود فلا إفلات لمن اعتادوا حلب الوطن والعلاج في أرقى المصحات العالمية.
كورونا حكيمة، نجحت في فضح السياسات الفاسدة المفسدة، وعوض أن يعتقلها المستبدون كما اعتادوا جعلتهم رهائن في سفينة تدابيرهم الفاشلة، سائرون على غير وجهة تقودهم كورونا إلى المجهول بما صنعت أيديهم.
كورونا تذكر العالم أن النظافة أولا، بدءا بنظافة اليد إلى نظافة الذمة، وما تركت وسخا إلا فضحته ليرى العالم كبارا مرهوبي الجانب كانوا يعيثون فسادا من وراء حجاب فإذا بهم مجرد قراصنة؛ أياد متسخة باستنزاف ثروات العالم وسرقتها.
كورونا تعيد للأسرة راهنيتها، فكل بيت أصبح بحجم العالم بأسره، نعيم مقيم لمن له سابق روابط طيبة مع أهله وكان له قرارا واستقرارا، وجهنم في الأرض لمن زرع حنظلا من سوء المعاملة بين أفراده وكان له مجرد زريبة للأكل والشرب والنوم، مكوث يعيد ترتيب العلاقات الإنسانية، ودعوة لإحياء الروابط الأسرية وتمتينها حتى لا تكون بيوتنا على شفا جرف هار تكفي دقة لكورونا بصغر حجمها على بابها لتنهار.
كورونا تحب الخلوة مع الله، لمن أرادها عزلة روحية يستزيد فيها من قربه من مولاه بعيدا عن شواغله الاعتيادية، فسحة على غير موعد للمشتاق للتفرغ لأوراده وأذكاره لقرآنه وركيعاته، سبح في عوالم أخرى، فيوضات ربانية وهدية من السماء فهي بذلك محنة في طيها منحة.
كورونا قدر من نوع خاص يدفعك دفعا لإعادة التفكير، رحلة مع الذات لمراجعة الأولويات للتفكر في علاقتنا بالأشياء في جدوى كل ما نفعله وما لا نفعله.