كم الساعة بتوقيت كورونا؟

كم الساعة بتوقيت كورونا؟ عبارة كثيرا ما تداولت بين الأهل والأصحاب، في الآونة الأخيرة بوجود وباء كورونا، هذا الفيروس الذي غير مجرى العالم وقواعده، وأجبره على خفض سرعته، فأصبحت شوارع مدن عملاقة موحشة وشبه خالية من السكان. وأجبر الإنسان على المكوث في البيت مع أفراد أسرته دون إمكانية التفكير في الخروج من غير وجود سبب قاهر يضطره لذلك.
نعم سيقضي الإنسان اليوم والليلة في بيته، فقبل أيام لم يكن يجد وقتا للجلوس مع أفراد أسرته، أو القيام بأعمال كان يعدها مستحيلة لأن الوقت كان محدودا جدا عنده، أما الآن فقد صار لديه كل الوقت ولم يعد مضطرا للسرعة والعجلة، بل أضحى يستفسر عما يمكن أن يقوم به في الأربع والعشرين ساعة الطويلة، ويشتكي من التعب الذي أصابه من كثرة الراحة والفراغ.. لم العجلة!؟
أقبل هذا الإنسان، عملا بتوقيت كورونا، على قضاء الوقت في السهر والانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي ومشاهدة الأفلام والاستيقاظ المتأخر، وغيرها من الملهيات، من أجل ملء خزان الوقت الذي بات بين عشية وضحاها أوسع وأعمق..
يحز في النفس أن يتعامل الإنسان مع هذه النعمة التي مُنحها باستهتار، فيهدر زمنا لا يمكن تقديره بثمن، ويسعد لمرور لحظات تشكل عمره. روى أبو نعيم في حلية الأولياء عن الإمام الحسن البصري رحمة الله عليه قال: “يا ابن آدم إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك ويوشك إذا ذهب بعضك أن يذهب كلك وأنت لا تعلم، فاعمل فاليوم عمل بلا حساب، وغدا حساب بلا عمل” (1).
أيها الأحباب، لمّا كان للوقت قيمة عند خالقه، ذكره باعتباره من أعظم النعم التي سخرها للإنسان؛ خليفته في الأرض، كما سخر كل المخلوقات لخدمته وتيسير مهمته. قال تعالى: وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار، وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار (سورة إبراهيم، الآيتان: 35-36).
فكيف يعقل لهذا الإنسان، الذي وُهب النهار الذي يزينه ضياء الشمس والقمر الذي يزين ظلام الليل بنوره، كل يؤدي عمله المنوط به لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون (سورة يس، آية 39)، كيف له أن يزهد في الوقت ويشغله فيما ليس من ورائه طائل.
محظوظ وموفق من اغتنم زمان كورونا لإرضاء الله والسلوك إليه، وتكوين ذاته، وتمتين روابطه.. فيكون بذلك لبيب أحسن التعامل مع المحنة والأزمة في جعلها منحة وعطية. والخاسر المغبون من لم يغنم هذه الفرصة، كما قال الحبيب المصطفى عليه السلام في حديث ابن عباس الذي رواه البخاري في صحيحه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ” (2). قَلَّ من الناس من جمع الله له الصحة والفراغ، فاحذري أختي الكريمة، واحذر أخي الكريم من استغلالها فيما ليس فيه نفع. ولعل هذا ما جعل الخليفة عمر بن عبد العزيز يقول: “ابن آدم إن الأيام تعمل فيك فاسبقها واعمل فيها”.
ونحن على مشارف أيام مباركة، الأجر فيها مضاعف، فلنسبق إليها بأعمال البر والخير ولنغتنم فضلها. وبدل أن نسأل عن الساعة بتوقيت كورونا، نسأل أنفسنا ما الذي غير فينا كورونا؟ هذا الجندي المأمور، وإلى ما يشير عقرب إيماننا وسلوكنا؟ ولنحسن تدبيرنا لميزانية الوقت. قال الأستاذ عبد السلام ياسين رحمة الله عليه في المنهاج النبوي: “وليكن وقتك بمثابة ميزانية تنفق منها، فكن بوقتك شحيحا أن تصرفه في الغفلة وتضيعه فيما لا يعني، واعلم أن الوقت الذي تندم عليه ولات ساعة ندم هو وقت لم تذكر فيه الله تعالى باللسان والقلب والجهاد لنصرة دينه، فاقتصد في وقت نفسك ولا تضيع وقت إخوتك بالزيارات الطويلة وبقلة ضبط المواعيد” (3).
اللهم ارزقنا الهمة العالية في عبادتك، واملأ أعمارنا بما يرضيك، وألهمنا حسن تدبير الوقت كما ينبغي، وبلغنا رمضان ووفقنا لتعرض نفحاته واقتباس أنواره وبركاته.
(1) أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء وطبقة الأصفياء.
(2) أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب ما جاء في الرقاق وأن لا عيش إلا عيش الآخرة، رقم 73 (مختصر صحيح البخاري، ص562).
(3) الأستاذ عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، ص 59.